بشار وحلب والرسائل الدولية

د. نذير الحكيم

بداية الشهر السادس أعلنت تركيا أنها تعتزم استكمال الحزام الأمني الذي تعمل على اقامته على طول حدودها مع سوريا بأسرع وقت ممكن وبعمق 30 كم لمكافحة التهديدات الإرهابية، والمناطق المستهدفة هي (تل رفعت، عين العرب، منبج) و بدأ الحديث من بعض الناشطين والمحللين عن إمكانيه عودة موضوع حلب  إلى الواجهة من جديد بشكل كبير لذلك كان ردة فعل الخارجية الإيرانية بانها تعارض لأي عملية عسكرية واعتبرتها انتهاك لوحدة سوريا وسيادتها وأن العملية المحتملة ستؤدي إلى مزيد من التعقيد والتصعيد كذلك الخارجية السورية قالت: إن أي توغل تركي في أراضينا هو جريمة حرب وجرائم ضد الإنسانية.

وعقدت الدول روسيا – ايران – أمريكا العديد من اللقاءات والمشاورات مع الجانب التركي لبحث إمكانيه التخلي عن المعركة المرتقبة، وقد تريثت تركيا بالفعل عن العملية الى حد ما، مع امكانيه انطلاقها بأي لحظه بحسب التصريحات الرسمية للمسؤولين الأتراك.

ومما جعل روسيا وايران يدركان جدية الموقف التركي  الغارة الجوية التي حدثت بتاريخ 6/7/2022 على معمل الاسمنت بالمسلمية قرب حلب، وهو مقر لوحدات حماية الشعب والأحزاب الانفصالية، فالمعمل يعتبر امتداد لسيطرة هذه الوحدات من طرف حي الشيخ مقصود، ولقد أكد عدد من المراسلين بأن الغارة نفذتها القوات التركية، إلا أن النظام كعادته فبرك الخبر وقال :إن صوت الانفجار الذي سمع بكافه انحاء حلب هو ناجم عن انهيار تلقائي لبرج بيتوني ضخم وبناء آخر مجاور له بمحيط معمل الاسمنت نتيجة التصدعات التي كانت لحقت به بسبب الحرب سابقا، ومن هنا فهمت لإيران وروسيا رسالة تركيا وبأنها جاده من أجل بدء العملية العسكرية، لذلك تم الايعاز والسماح لبشار الأسد بزيارة حلب، ولم تكن زيارة كسابقاتها من الزيارات للمدن التي دمرها وزارها وغادرها فوراً بعد انتهاء الصلاة، كما فعل في زيارته لداريا وكذلك تدنيسه لجامع خالد بن الوليد بحمص، وإنما أمرته روسيا وايران بجلب عائلته معه وقبل يوم من الصلاة بذريعة تدشين المحطة الحرارية في حلب وإصلاحها  بأيدي السوريين، وفي الحقيقة من يعيد تأهيلها وسيستثمرها ويستغل أهالي حلب هي شركه إيرانية، وهذا موثق على لسان مدير المحطة بتصريح له في الشهر السابع من عام 2021 حيث ذكر أن العقد مدته ثلاثة وعشرون شهراً وقيمته 123 ونصف مليون يورو.

لقد غاب الحضور الجماهيري من قبل  أبناء مدينة حلب عن  استقبال  بشار أسد لدى وصوله للمحطة الكهربائية وهم الذين يعلمون بأن المحطة الحرارية ومعها حوالي 500 شركة صناعية في حلب وضعت إيران يدها عليها وتقوم باستغلال أبناء مدينة حلب من أجل توظيفهم في شركاتها باستدراجهم  إيديولوجياً من أجل نشر التشيع بين أبناء مدينة حلب، وكل من يرفض إتباع المذهب الشيعي لا يجد له وظيفة في شركات إيران.

ومنذ وقت طويل يعاني سكان مدينة حلب، إلى جانب مناطق سيطرة النظام الأخرى، من انقطاع شبه كامل للتيار الكهربائي لساعات طويلة يوميًا، وتعتمد المدينة بشكل شبه تام على كهرباء “الأمبيرات”، التي تسجل منحى تصاعديًا على صعيد أسعارها نتيجة عدم توفير المازوت “المدعوم” اللازم لتشغيلها.

لم يتأخر الرد التركي على رسالة بشار التي كانت أحد جوانبها موجهة لتركيا، فتمت مقابلتها مباشرة بزيارة وزير الدفاع التركي خلوصي أكار إلى قبر جد مؤسس الدولة العثمانية سليمان شاه، أحد رموز العثمانيين في قرية أشمة بريف عين العرب الشمالي الغربي، شرقي محافظة حلب، شمالي سورية.

لم يسمح الأتراك لبشار بزيارته الهزيلة أن يرفع الروح المعنوية لجنوده المهزومين وميلشياته المتناحرة في حلب وريفها فجاءت زيارة وزير الدفاع أيضاً لمواقع القوات العسكرية في نقاط الاستناد المتأهبة للهجوم رداً قوياً على تلك الزيارة

وبالعودة للحديث عن الزيارة حاولت روسيا وايران قبل عقد قمه بايدن مع عدد من الزعماء الخليجيين بالسعودية وقبل عقد قمة طهران بين روسيا وإيران  وتركيا أن ترسل رساله للقمتين أن حلب هي العاصمة الثانية لسوريا وأن بشار موجود بها ليس للصلاة فحسب، بل باستمرار لإعادة إعمارها، وهذا ما ذكره هو بأنه سيستمر بزيارتها وأن حديث العدول عن اتفاق حلب يعني سقوط العاصمة، وروسيا وإيران يدركان ذلك تماماً، لذلك تم جلبه إلى حلب للضغط على الموقف التركي واستبعاد ملف حلب

في الأيام القادمة القليلة بعد انتهاء القمتين سيكون الملف السوري حاضرًا وبقوة لصالح الثورة والعمل على تحقيق أهدافها نظراً لأن العلاقة التركية السعودية بشكل خاص والعلاقة العربية التركية بشكل عام هي في أفضل الأحوال.

إن انشغال روسيا بحرب أوكرانيا والمأزق طويل الأمد الذي وضعت نفسها به وحاجتها لمواقف متوازنة من الدول العربية بشكل عام والنفطية بشكل خاص، ونظراً للوضع الإيجابي لتركيا وحاجة روسيا لموقف تركي معتدل، سيلقي بظلاله على الأحداث في المرحلة المقبلة وسيكون دافعاً حقيقياً من أجل عودة الملف السوري لأولويات الأجندة الدولية. وإعادة تحريك المياه الراكدة التي ربما تصب في مصلحة الثورة السورية.

العلاقات السعودية التركيةالنظام السوريتركيةد. نذير الحكيمروسيازيارة بشار الأسد إلى حلبسوريةملف حلب