شهدت العاصمة طهران اجتماع ضم الرئيس التركي رجب طيب أر دوغان والرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس الإيراني من شهر يوليو الجاري. حيث يتشارك القادة في نقاط وصفت بالأساسية وبقي الخلاف على القضايا الرئيسية رغم إحراز بعض التقدم، فالملفات التي وضعت على طاولة الحوار كانت شائكة جداً.
تركيا التي وجدت نفسها في مواجهة حتمية مع روسيا سياسياً بعد أن باعت طائرات بدون طيار للحكومة الأوكرانية ولكن توازن سياسة انقره الخارجية كان في عدم فرض العقوبات على الكرملين، مما جعلها شريكاً ستحتاجه موسكو في المستقبل بينما تعتمد تركيا على الأسواق الروسية تشمل تسهيل شحنات الحبوب الأوكرانية وفي محاولة لرفع العقوبات من قبل الغرب على روسيا. وفي الملف السوري كانت تركيا تأمل في التوصل لحل ينهي وجود المنظمات الإرهابية في شمال سوريا دون اللجوء لأي عمل عسكري ولكن عدم موافقة موسكو وطهران على العمل العسكري ليس بجديد على تركيا فهي كانت على علم بذلك، فالتحركات الإيرانية والروسية على الأراضي السورية كانت تحت رصد ومع ذلك لم يتراجع السيد أر دوغان، على الأقل علنًا. وقال بعد الاجتماع “معركتنا ضد المنظمات الإرهابية ستستمر في كل مكان”. نتوقع من روسيا وإيران دعم تركيا في هذا الصراع. وتأتي أيضاً تصريحات السيد رجب أردوغان بعد تحذير خامنئي لهُ من تنفيذ مثل هذه العملية. في اجتماع منفصل، حيث قال له ” إن أي هجوم عسكري في شمال سوريا سيكون ضارًا بتركيا وسوريا والمنطقة بأكملها”. حيثُ تلعب كلاً من إيران ورسيا دور رئيسي في دعم الأسد وعدم السماح بإطاحته. أما السيد بوتين فقد ناور من خلال إعلان مشترك يقضي “تطبيع الوضع” في سوريا.
وأوضح أن هذا يعني بالنسبة له القضاء على أي تدخل غربي في البلاد والتأكيد على حكم الأسد من مبدأ عدم السماح بتقطيع اوصال الدولة السورية. وعند عودة الرئيس التركي حاملا معه موقفة الذي لم يتراجع عنه أضمرت ايران مبدأ التصعيد ضده بالوكالة من قبل المجموعات الإرهابية التي تحركها وانتشر خبر قصف دهوك العراقية واتهام تركيا وتوجيه الحكومة العراقية بالتصعيد ضد تركيا، إلا أنه تبين نتيجة التحقيقات الأولية أن من قام بالقصف هم جماعة حزب العمال الكردستاني. وتكرر لدى تركيا موضوع القبض على خلايا إيرانية في تركيا تخطط لعمليات اغتيال لدبلوماسيين أجانب في تركيا لخلق أزمات دبلوماسية بين تلك الدول وتركيا وغالبا كانت تركيا تعالج الموضوع مع إيران بالطرق الاستخباراتية والأمنية كونه لم يقع ضحايا الا إنه بعملية دهوك كان هناك ضحايا وجرحى وهذا ما لا تقبل به تركيا أبدا
تركيا تنبهت لردة الفعل الإيرانية وفهمت الموقف الحقيقي الإيراني لذلك تم تحديد قمة ثنائية بين الرئيس التركي والرئيس الروسي في روسيا ب 5/8/2022 يعني بعد أيام من القمة الإيرانية، وهذا عادة لا يحدث الا في حالات طارئة ومستعجلة ولقرارات تاريخية ستكون قمة غير عادية بكل المقاييس والمجالات ولها تشعبات وقد ينتج عنها قرارات مفصلية في سوريا تجنبا لوقوع ما كان يتم تأجيله بين الدول الثلاث من إعلان الخلاف إلى السطح بينهما منذ بداية الثورة السورية وترقيعه بقمم استانا السابقة والمحافظة على شعرة معاوية بينهما.
إيران تعاني داخليا من الناحية الاقتصادية وخارجيا رغم كل التنازلات لم تستطيع العودة الى الاتفاق النووي، إضافة الى موقف دول الجوار الرافض لسياساتها بسبب تدخلاتها في شؤونها الداخلية ومحاولتها بسط الهيمنة عليها لذلك دائما تتعمد خلط الأوراق وعرقلة أي اتفاق او تسوية بالمنطقة كونها لا تستطيع تمرير مشروعها الأمني إلا من خلال دعم الفوضى في الدول
روسيا ستعمل كل ما في وسعها لإنجاح عمليتها في أوكرانيا والا لن تكون روسيا بعدها ولذلك هي ماضية في غزوها وحتى لو خسرت العديد من الدول حتى لو وصل الامر للكيان الصهيوني وبالأيام القليلة الماضية سمعنا اخبار عن إغلاق مكاتب الوكالة اليهودية في موسكو وهذا مؤشر خطير بينهما
تركيا تمر بمرحلة حساسة وحرجة ولن تتراجع عن مواقفها بالشأن السوري والمطالبة بتنفيذ القرارات الدولية ومخرجات استانا التي يتم خرقها من قبل النظام والروس وارتكاب جرائم بحق المدنيين وبالأمس كانت مجزرة الجديدة بريف مدينة جسر الشغور بهذا الصدد.
أمام هذا الوضع الدولي المعقد نحن نرى هناك المهم والأهم، وإزالة الضرر الأشد بالضرر الأخف، لذلك سيكون لتلك الزيارة التركية ممثلة بالرئيس التركي إلى روسيا نتائج غير عادية بسبب أن الرئيس التركي غالبا لديه أمران لا ثالث لهما:
الأول: العملية العسكرية التركية بالشمال إضافة الى عدم ضمانتها لأي جبهة من الجبهات.
والثاني: البديل عنها الانخراط الفعلي بالعملية السياسية في سوريا وتطبيق سلال القرار 2254 قبل موعد الانتخابات التركية عام 2023
هنا على روسيا أن تدرك أن زمن المراوغة والتسويف قد انتهى مع تركيا وعليها عدم خسارتها كحليف في هذا الظرف الخطير والمفصلي بحربها الأوكرانية وإزالة الضرر الأشد بالضرر الأخف بالنسبة لها.
صحيح أن الأسواق الاقتصادية العالمية تعاني من أزمة لكن الأسواق السياسية بأفضل حالاتها وربان السفينة لإنفاذها من الغرق يقوم برمي البضاعة رخيصة الثمن أولا، ولا يوجد لدى روسيا أرخص من الأسد لرمية وفتح باب السوق لتقديم العروض المهمة وقبض ثمنها سياسياً عن طريق استمرار الشراكة التركية الروسية في أوكرانيا وسورية …
تبقى الملفات التي وضعت على طاولة القمة ملفات شائكة وتحتاج إلى المرونة والتوازن والمراوغة، وتبقى لغة الثقة بين المجتمعين في المعادلة ليست في أفضل حالاتها. لذلك فهي تحتاج إلى خطوات ملموسة لتطوير هذه الثقة بما يسمح بتجاوز العقبات في الملفات الشائكة والمشتركة، وهذا ما يفسر تصريح وزير الخارجية التركي في الامس حول النظام وحقة في قتال التنظيمات الإرهابية الانفصالية (قسد) وما حولها.