لماذا لم تصدر المحكمة الجنائية الدولية مذكرة توقيف بحق بشار الأسد؟

أثار إصدار المحكمة الجنائية الدولية مذكرات توقيف بحق قادة دول مثل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع يوآف غالانت تساؤلات حول غياب إجراء مماثل بحق بشار الأسد، المتهم بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في سوريا على مدار أكثر من عقد من الصراع.

القيود القانونية على اختصاص المحكمة

أوضح محمد العبد الله، مدير “المركز السوري للعدالة والمساءلة” في واشنطن، أن غياب مذكرة توقيف دولية بحق الأسد يعود إلى عوامل قانونية معقدة، أهمها أن سوريا ليست طرفاً في نظام روما الأساسي، الاتفاقية المنشئة للمحكمة الجنائية الدولية.

وفق العبد الله، يمكن للمحكمة فتح تحقيق إذا:

1. كانت الدولة موقعة على نظام روما الأساسي أو قدمت إعلاناً بقبول اختصاص المحكمة، كما حدث مع أوكرانيا.

2. أحال مجلس الأمن الدولي القضية إلى المحكمة.

في حالة سوريا، لم تتحقق أي من الحالتين، حيث لم توقع سوريا على نظام روما ولم تقبل اختصاص المحكمة، كما أن روسيا والصين استخدمتا حق النقض (الفيتو) ضد مشروع قرار في مجلس الأمن عام 2014 كان يهدف إلى إحالة الوضع في سوريا إلى المحكمة الجنائية الدولية.

دور الدول الموقعة وأمثلة مشابهة

الخبير القانوني المعتصم الكيلاني أشار إلى إمكانية إحالة قضية سوريا للمحكمة عبر دولة موقعة على اتفاقية روما تأثرت بانتهاكات نظام الأسد. واستشهد بحالة الأردن، الذي يستضيف عدداً كبيراً من اللاجئين السوريين. ومع ذلك، استبعد الكيلاني أن يقوم الأردن بهذه الخطوة، خاصةً مع تبنيه سياسات إعادة العلاقات مع دمشق.

اقرأ أيضاً: أغنى لاعب كرة قدم في التاريخ.. مفاجأة غير متوقعة!

وأشار الكيلاني إلى مثال أوكرانيا، التي منحت المحكمة الجنائية الدولية ولاية قضائية عبر إعلان خاص في 2014 و2015، مما أتاح فتح تحقيقات في الجرائم المرتكبة على أراضيها، رغم أنها ليست دولة طرف في نظام روما.

القضايا المماثلة والتباينات مع سوريا

استعرض العبد الله قضايا أخرى عالجتها المحكمة الجنائية الدولية، مثل إصدار مذكرات توقيف بحق الرئيس السوداني السابق عمر البشير بسبب جرائم إبادة جماعية في دارفور. في هذه الحالة، جاء التحرك بناءً على قرار من مجلس الأمن، وهو ما لم يتحقق في الحالة السورية.

أدوات بديلة للمساءلة الدولية

رغم غياب مذكرات توقيف من المحكمة الجنائية الدولية، أشارت المحامية إليز بيكر، من “المجلس الأطلسي”، إلى أدوات مساءلة أخرى يمكن استخدامها ضد الأسد:

1. الولاية القضائية العالمية:

تسمح بمحاكمة الجرائم الدولية الخطيرة في محاكم وطنية إذا كان الجاني موجوداً داخل حدود الدولة أو في حالات محددة غيابياً، كما حدث في محاكمات بألمانيا وفرنسا.

تتطلب هذه المحاكمات بناء قضايا تستند إلى أدلة قوية وجمع وثائق وشهادات تثبت الانتهاكات.

 

2. الإجراءات الوطنية الغيابية:

بعض الدول، مثل فرنسا، أجرت محاكمات غيابية بحق شخصيات من نظام الأسد بتهم التواطؤ في جرائم ضد الإنسانية، خاصة في قضايا الهجمات الكيميائية عام 2013.

3. التحقيقات الهيكلية:

بدأت دول مثل ألمانيا وكندا تحقيقات هيكلية لبناء قضايا قضائية ضد الجناة في صراعات دولية، بما يشمل جرائم ارتكبت في سوريا وأوكرانيا، مما يربط بين الجرائم في السياقين.

جهود سابقة وإمكانيات مستقبلية

في عام 2019، أعلنت الأمم المتحدة عن وجود أكثر من مليون وثيقة وأدلة ضد نظام الأسد تُظهر حجم الانتهاكات. وأكدت محامية “المجلس الأطلسي” إمكانية استناد المحكمة الجنائية إلى السابقة التي تم إنشاؤها في قضية ميانمار لفتح تحقيق في الجرائم السورية، بما في ذلك الترحيل القسري للاجئين إلى الأردن.

عقبات سياسية ودعوات للتحرك

رغم توفر الأدلة، أكدت المحامية بيكر أن العوائق السياسية تحول دون إحالة الأسد للمحكمة الجنائية الدولية. ودعت الدول الموقعة على اتفاقية روما لاتخاذ خطوات جادة لإحالة القضية، كما فعلت عشرات الدول في قضية أوكرانيا.

 

المحكمة الدولية الجنائيةسوريافلاديمير بوتيننتنياهو