الأسرة هي اللبنة الأولى في بناء المجتمع، وهي الملاذ الأخير في عالمٍ من الفوضى والضياع، والبيئة التربوية الأولى التي باستقرارها يمكننا أن ننشئ جيلاً يعيد لمجتمعنا وأمتنا مجدها الحضاري ودورها الريادي بين الأمم
لكن هذه الأسرة تتعرّض اليوم إلى موجةٍ عنيفةٍ من الهجمات الثقافية والاجتماعية التي تستهدف موقعها واستقرارها، وأهميتها في نسيج المجتمع المسلم وحضارته.
ففي ظل انتشار العديد من الحركات الاجتماعية النسائية التي تهدف – على حد زعمها- إلى نصرة المرأة والمطالبة بما تعتبره حقوقاً لها، تجد الأمّ نفسها – شاءت أم أبت – محاطةً بأفكارٍ كثيرةٍ لا تنتمي لثقافتها، وتعجزُ غالباً عن معالجتها وتثير ثائرتها ضدّ وضعٍ لم تعد تطيقه وهي ترى مثيلاتها وتسمع أفكارَ مَن حولها.
فقد أتاح عالمنا الافتراضي الانفتاح بشكل كبير على كل البيئات الاجتماعية في العالم، وأصبحت المعطيات التي تدخل إلى عقل الإنسان (سواء رجل أو امرأة) كثيرةً جداً، أكثر من أن يعيها هذا العقل ويفهم تأثيرها عليه فضلاً عن أن يعالجها، خاصة وأن تجربة المرأة المسلمة في هذا السياق ما زالت في بدايتها، ولم تتبلور بعد بما يكفي لتواجه هذا التأثير الكبير، فنراها متأثرة أكثر منها قادرة على التأثير رفضاً أو قبولاً …
كل هذه المعطيات وغيرها كانت من أبرز أسباب التفتت الاجتماعي والتغيرات السلبية التي حدثت على الساحة النفسية والفكرية، الأمر الّذي جعل نسب الخلافات الزوجية تتزايد بشكل مستمر وغير معقول في العالمين الغربي والإسلامي على حدٍّ سواء، والكثير من هذه الخلافات تصل بسهولة ولا منطقية إلى الطلاق.
بالمقابل ومع قصور الوعي لدى الأزواج بالعلاقات الزوجية ومشاكلها وطرق حلّها، تجد الكثير من الحكومات والمؤسّسات الإصلاحية في الدول العربية تسعى لإقامة دورات في التأهيل الزواجي ومراكز لحل المشكلات الزوجية، أسوةً بالتجربة الماليزية والتي أوجبت فيها الحكومة على المواطنين ارتياد مراكز خاصة لتأهيل المقبلين على الزواج كشرط أساسي، يحصل المتدرب في نهايته على “رخصة الزواج”!. لا يمكنه التقدم لتثبيت زواجه بدونها.
وبينما تُقام بعض المحاولات هنا وهناك، تجد العديد من المؤسسات الدينية والإصلاحية بالمقابل تغفل عن المشكلة المتفاقمة التي ألمّت بالأمة وبالأسرة المسلمة، لأنها من زاوية أخرى مشغولةً بحلّ مشكلة اجتماعيةٍ لا تقل خطورة عن مشكلة ضعف التأهيل عند الرجال والنساء للزواج، وهي ، (مشكلة العنوسة) وازدياد أعداد الأرامل والمطلّقات، وتدعو الأزواج في خطبها وعلى منابرها لزواجٍ آخر!
ولا شكّ أن تلك المشاكل كبيرة ولكنّها تحتاج إلى حلّ جذريٍّ ودواءٍ شافي لا يعود بنا بعد فترةٍ من الزمن، إلى المشكلة ذاتها (الفشل في إدارة العلاقة الزوجية).
فربّما هذا الحل يستدعي بدايةً حلَّ مشاكل أخرى وتوطيدَ دعائمِ الأسرةِ الأولى، وإعطاء “رخصة زواج” أو مثلاً “رخصة زواجٍ متعدد” كأقلّ تقدير لمن ندعوهم للزواج الثاني، (وهذا أكثر أهمية) وإلا سيسير بنا الحال إلى تفاقم المشكلتين معاً. لأن التعدد بدون توعية يفاقم المشكلة الأولى ولا يحلّها.
إن تفاقم هذه المشكلة لا حل لها إلا بالتوعية، والتركيز على حقوق المرأة التي نص عليها الشرع، والمعاشرة الحسنة وأهمية بناء الأسرة والصبر على ذلك، وأن يكون هناك مؤسسات تعنى بشكل جدي في حل مشكلات الأزواج وتوعيتهم بطرق العيش الأسري المشترك وواجبات كل منهم تجاه الآخر وتجاه الأبناء، وإلا فإن المجتمع مقبل على حالة تفكك كبيرة تبدأ من أهم مؤسساته وهي الأسرة.