في كل يوم تظهر على الساحة السورية والعالمية الكثير من القضايا الشائكة التي تحتاج نظرة للحكم عليها وتجد في وسائل التواصل الكثير ممن يتشفّون بأي حادث أو مصاب، يقع للآخرين الذين يختلفون معهم، فهذا يقول ليموت الأوكرانيون والروس فهم أعداؤنا وهذا يقول ليبيدهم كورونا عن آخرهم، وذلك يقول يا رب أحرق الصغار قبل الكبار …
هذه كلمات تراها منتشرة وشائعة في واقعنا، وفيها ضياع البوصلة الأخلاقية الإسلامية في خضم المعارك والمصاعب والشدائد فهذا الذي يتكلم بهذه الكلمات لا ينظر للحالة بنظرة أخلاقية نابعة من أخلاق الإسلام ذلك الدين العظيم الذي يقول فيه الحبيب صلى الله عليه وسلم (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق) والذي يقول فيه ربنا للنبي صلى الله عليه وسلم (وإنك لعلى خلق عظيم) .
وسأحاول في هذه المقالة تبيين الأسلوب الصحيح للتعامل مع القضايا الشائكة مع الاحتفاظ بالأخلاق
في هذا الوقت احتاج تذكير الإخوة جميعا بحال سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكيف تعامل مع أعدائه وهم الذين حاربوه وقاتلوه وأراقوا الدم من وجنتيه الشريفتين وآذوا أصحابه رضي الله عنهم .
فكلنا يشعر بالفخار وهو يقرأ كيف دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة المكرمة فاتحا وكيف أنه من شدة تواضعه، حتى كأن لحيته تلامس وسط الرحل وأنه قال: ( اليوم يوم المرحمة ) تخيل منتصرا يَغلِبُ أعداءه ثم يقول لهم يوم النصر هو يوم الرحمة !!!!!
إنه لشيء عجاب، لكنها أخلاق الإسلام من سيد الأخلاق رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم نذكر كيف وقف بعد أن استتب له الأمر في مكة المكرمة ليسأل أعداءه ومن حارب دينه الأعوام الطوال ما تظنون أني فاعل بكم – وهنا دعوني أسأل: تخيل أنك تملك السلطة على من ظلمك فماذا ستفعل به؟؟؟ – فيجيبونه (أخ كريم وابن أخ كريم) فيجيبهم رسول الله صلى الله عليه وسلم (اذهبوا فأنتم الطلقاء) أعد قراءة هذه الكلمات وتخيل أنك الآن في جيش رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنت ترى من قتل أخاك أو أباك أو عذبك تراه يسير آمنا مطمئنا طليقا ولا تستطيع أن تمسه بسوء .
ربما ستجيبني: أنا لو انتصرت وانتهت المعركة فإني سأعلن العفو عن كل المطلوبين. لذلك دعني أحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في أشد معركة، إنها أحد عندما استشهد سيدنا حمزة عم النبي، وقتل من الصحابة سبعون ووصل الكفار إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى أنهم قد شجوا رأسه وسال الدم من وجنتيه الشريفتين أتعلم ماذا قال وهو يسلت الدم عن وجهه؟ قال: (اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون) .
أخيراً أودّ أن أضع قواعد للتوازن الأخلاقي في أوقات الحروب والأزمات كما نتعلمها من السيرة النبوية وهي:
- لأرض المعركة حالة خاص، إياك إياك أن تنقلها للحياة العامة
- إن الجهاد والقتال وسفك الدم من أجل القضايا العادلة لا يعني أبدا التخلي عن الأخلاق حتى وأنت تسفك الدم كما قالوا (قاتل وفي يدك غصن زيتون)
- مطلبك أن يحي العدل ويموت الظلم (وليس الثأر) فلا تنس مطلبك أبدا ما حييت فالعدل شعار الصالحين
- لا يصح لك أن تعمم حالة العداء فتشمل من قاتل ومن لم يقاتل
إن ما أريد إيصاله لإخواني وأحبابي في نهاية مقالي هو: (عامل الناس بأخلاقك بأدبك بإسلامك، واحذر أن تنجرف مع سيل سوء الخلق وقلة الأدب) وكما يقول المثل: (كل يعمل بأخلاقه )، وأخيراً إنما بعثنا دعاة رحمة لا جباة وجبابرة.