أدب الإنصات

علي سندة

 

قديمًا قالوا: “العين مغرفة الكلام” أي مصدر الكلام في التخاطب بين الناس لما لها من تأثير وأدب واهتمام بين المتحدثين، لكن اليوم باتت العين مشغولة بما يظهر أمامها من شاشات الهواتف النقالة بدل النظر إلى محدثها، ذلك يحدث في مجتمعاتنا بكثرة إلى أن صار ظاهرةً سلبية يتذمر منها كبار السن خاصة عندما يكلمون أبناءهم، بل إن ظاهرة عدم الإنصات للآخر تزعج كل متحدث، وتشعره أنه وكلامه غير مرغوبين.

إن الإنصات إلى الآخر أمر مهم، فهو مطلوب في الأمور الحسنة دون سواها، كالإنصات إلى الأم والأب والأخوة الكبار، وإلى المربين والوعاظ والمدرسين، وبالمقابل لا يكون الإنصات للجاهلين ولا للكلام المنافي للأخلاق لقوله تعالى: “خُذِ ٱلۡعَفۡوَ وَأۡمُرۡ بِٱلۡعُرۡفِ ‌وَأَعۡرِضۡ عَنِ ٱلۡجَٰهِلِينَ” الأعراف ١٩٩

الروائية السورية ابتسام تريسي في لقاء مع صحيفة حبر

والإنصات حتى يتحقق لا يقتصر على شكل محدد في الشخص، كالعين أو الأذن أو الإشارة باليد.. إلخ، إنما يتعلق بهيئة الشخص كلها، وربما نصطلح عليه بـ (الكيان)، إذ لا يكفي الإنصات بالأذن والإعراض بالنظر إلى المتحدث فهذا يقلل من الإنصات، وبالمقابل لا يكفي النظر لوحده لأن لكل نظرة معنى، لذا الإنصات حالة متكاملة من المُنصت لا تنفصل أجزاءها، إذ إن لكل منها دور في التواصل وإيصال المعنى، وتجسد الأدب من المنصت إلى المتكلم.

الإنصات يستلزم عدم مقاطعة المتكلم، ولا يبدأ المنصت كلامه إلا حين ينهي المتكلم نظره إلى المنصت أو يتوقف عن الكلام أو يعطي فسحة للأسئلة أو المشاركة، ولا أدل على أدب الإنصات أفضل من سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فعَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ: “‌كَانَ ‌رَسُولُ ‌اللَّهِ – ‌صَلَّى ‌اللَّهُ ‌عَلَيْهِ ‌وَسَلَّمَ – ‌يُقْبِلُ ‌بِوَجْهِهِ ‌وَحَدِيثِهِ ‌عَلَى ‌شَرِّ ‌الْقَوْمِ ‌يَتَأَلَّفُهُ ‌بِذَلِكَ، ‌وَكَانَ ‌يُقْبِلُ ‌بِوَجْهِهِ ‌وَحَدِيثِهِ ‌عَلَيَّ ‌حَتَّى ‌ظَنَنْتُ ‌أَنِّي ‌خَيْرُ ‌الْقَوْمِ”.

فوائد الإنصات:

أول فوائد الإنصات إعطاء الأهمية للمتكلم والتأدب معه، وإعطائه الراحة في الكلام ليعبر بشكل أفضل دون تشويش، أو شعوره باستياء، أو أنه شخص غير مرغوب به.

لمتابعة كل جديد اشترك في قناة صحيفة حبر على تلغرام اضغط هنا

ومن فوائد الإنصات أيضًا نجاة المرء بنفسه من العُجب وحب الظهور وسوء الأدب، لأنه إن تكلم دون إذن وقع في المقاطعة، وهذا من سوء الأدب في التحدث، الذي يماثله استعمال الهاتف بحضرة المتكلم، كما يحدث كثيرًا في المجالس الحالية، وهذا الفعل مما يسيء الأدب من المنصت إلى المتكلم، وفي ذلك إشارة إلى عدم الاهتمام لما يقوله المتكلم، وإن كان الأمر ضروريًا يستوجب استعمال الهاتف فعلى المنصت الاستئذان حفاظًا على أدب الحوار.

يقول العلماء: “الإنصات أول أبواب العلم”، اللهم اجعلنا منصتين للعلم متأدبين مع أهله، وخير الإنصات يكون بدايةً إلى كلام الله عز وجل: “وَإِذَا قُرِئَ ٱلۡقُرۡءَانُ ‌فَٱسۡتَمِعُواْ ‌لَهُۥ وَأَنصِتُواْ لَعَلَّكُمۡ تُرۡحَمُونَ” الأعراف: ٢٠٤

والحمد لله رب العلمين

أدب الإنصاتالإنصاتالاستماعصحيفة حبرعلي سندة