أزمة الصرف الصحي تهدد مخيمات الشمال المحرر

مريم الإبراهيم

يعيش سكان المخيمات في شمال سوريا، على امتداد الشريط الحدودي مع تركيا في بلدات قاح، أطمة، حارم ،سلقين، تحت ظروف قاسية نتيجة غياب نظام الصرف الصحي، أكثر من 16 مخيماً في هذه المنطقة غير مكتملة البنية التحتيةومنقوصة الدعم، منها مخيم تجمع لأجلكم وتجمع عطاء يحتوي كل تجمع على 6 مخيمات، يتعرض السكان لخطر الأمراض والمشكلات الصحية المتزايدة، نقص التمديد للصرف الصحي، تعكس هذه المشكلة احتياجات هؤلاء الأشخاص الذين لا يحصلون على أهم خدمة في الحياة الأساسية، مما يجعل التدخل العاجل لحل هذه المشكلة ضرورة ملحة.

“الظروف السيئة والأمراض”

أحد أكبر التحديات التي تواجه سكان المخيمات هو انتشار الروائح الكريهة نتيجة تراكم المياه الراكدة، والسواقي العشوائية التي تتجمع من خلالها النفايات وعدم وجود نظام صرف صحي يعمل بكفاءة، هذه الروائح والمياة الملوثة لا تتسبب فقط في إزعاج السكان، بل تؤدي إلى انتشار الأمراض الجلدية مثل الدمامل والجرب والفطور، والحشرات المؤذية، الكثير من الأطفال والقاطنين يعانون من مشاكل صحية جراء التعرض المستمر لهذه الظروف المعيشية القاسية.

اقرأ أيضاً: انقطاع المياه يهدد بانتشار الأمراض في إدلب ومؤسسة المياه تتعهد بإعادة الضخ قريباً

تحدثنا “أم محمد” أم لأربعة أطفال تعيش في مخيم الفتح العربي ضمن تجمع لأجلكم، تقول :” ولدي يعاني من دمامل مؤلمة تنتشر على جسده منذ أشهر، أصطحبته مراراً إلى العيادة الطبية في المخيم، ولكن الأدوية التي يقدمونها لا تُعالج المشكلة.
لا أملك المال لشراء الدواء المناسب، وبيتنا يقع بجوار منطقة مليئة بالمياه الملوثة والحشرات بسب الصرف الصحي، مما يزيد من سوء حالته، المستوصف الطبي لا يملك الأدوية الفعالة، وكل يوم أشعر بالعجز واليأس وأنا أرى طفلي يتألم أمامي دون أن أستطيع فعل شيء، والخوف يلازمني من أن يصاب أحد اخوته بالعدوة، افعل ما بوسعي، من أجراءات الوقاية والسلامة.

ليست ام محمد الوحيدة هناك الكثير من الحالات التي تعاني من أمراض جلدية وتنفسية بسبب عدم توفر صرف صحي في هذه المناطق مثلها “أم سعيد” مع طفلها الصغير الذي لا يتجاوز عمره أربع سنوات، منذ عدة أشهر، بدأ الطفل يعاني من طفح جلدي يظهر على جلده بشكل متكرر، تقول أم سعيد: “في البداية كنت أعتقد أنها مجرد حساسية عادية، ولكن مع الوقت بدأ الطفح ينتشر أكثر وأكثر، أصطحبته إلى العيادة الطبية في المخيم، لكن الأطباء قالوا إن السبب هو التلوث وانعدام النظافة في المكان.” تضيف بأسى: “نحن نعيش في ظروف صعبة جداً، ولا يوجد ماء كافٍ حتى للاستحمام بشكل يومي، مما يزيد الأمور سوءاً، العلاج الذي يعطونه لنا لا يخفف الألم إلا قليلاً، والحبوب تعود من جديد.”

أبو حسن، رجل مسن يبلغ من العمر 68 عاماً، يعاني من الجرب منذ فترة طويلة يقول: “لم أعد أتحمل الحكة المستمرة، جسدي كله ملتهب ولا أستطيع النوم ليلاً بسبب هذا الجرب اللعين.”

أبو حسن يعيش وحيداً في خيمة قديمة، ويعتمد على المساعدات من جيرانه ليبقى على قيد الحياة. يضيف:”جربت كل شيء، ذهبت إلى العيادة عدة مرات، وأعطوني أدوية، لكنها لا تجدي نفعاً المشكلة ليست في العلاج فقط، بل في البيئة التي نعيش فيها، الطين والوحل والمياه الراكدة تملأ المكان، والظروف غير صحية على الإطلاق.”

لمتابعة كل جديد اشترك في قناة صحيفة حبر على واتساب اضغط هنا

عبد الله شاب في منتصف العشرينيات من عمره، يعيش في أحد المخيمات العشوائية مع عائلته، منذ أشهر بدأ يعاني من فطريات جلدية تنتشر على قدميه ويديه. يقول: “ظهرت البقع الحمراء في البداية على أصابع قدمي، لكن مع الوقت انتشرت على يدي أيضاً، أحاول استخدام المراهم التي يقدمونها لنا في العيادة، لكنها لا تساعد كثيراً.” عبد الله يشعر بالإحباط بسبب حالته الصحية التي تمنعه من العمل ومساعدة عائلته، “أنا شاب في مقتبل العمر، لكن هذه الأمراض تجعلني أشعر بالضعف والعجز، لا أستطيع حتى المشي براحة بسبب الألم والحكة المستمرة.”

“تفاقم الأمراض الجلدية”

الدكتورة “مايا عبد اللطيف”، طبيبة جلدية أكدت أن انتشار الأمراض الجلدية في المخيمات ناتج عن الظروف البيئية المتردية، تقول الدكتورة: “بسبب غياب الصرف الصحي ونقص النظافة، تتفاقم الأمراض الجلدية بشكل ملحوظ، انتشار الدمامل والجرب والفطور الجلدية بات يشكل مشكلة صحية كبيرة في المخيمات.”

تشرح الدكتورة أن الدمامل هي عدوى جلدية تحدث نتيجة انسداد بصيلات الشعر بالبكتيريا، مما يؤدي إلى تكون خراجات مؤلمة قد تزداد حدتها إذا لم تُعالج الجرب هو مرض جلدي شديد العدوى يسببه العث الذي يحفر في الجلد، مما يسبب حكة شديدة وطفحاً جلدياً، يُعد هذا المرض من أكثر الأمراض التي تتفاقم مع سوء النظافة وقلة الموارد الصحية.

تضيف الدكتورة أن مع قدوم فصل الصيف، تزداد أعداد المرضى نتيجة انتشار الحشرات التي تحمل معها العدوى، خاصة مع الظروف البيئية السيئة في المخيمات، أما في فصل الشتاء، فتتفاقم المشكلة بسبب الرطوبة الدائمة وعدم وجود الشمس الكافية لقتل البكتيريا المنتشرة في الهواء، المشكلة موجودة على مدار العام، كما أن رائحة المياه الآسنة الصادرة من الصرف الصحي المكشوف تساهم في زيادة الأمراض الجلدية، حيث تتسبب في تلويث الهواء المحيط وتحفيز ظهور الطفح الجلدي والأمراض التنفسية أيضاً.

وتضيف الدكتورة مايا أن هذه الأمراض تتطلب بيئة نظيفة وعلاجات مستمرة، لكنها تشير إلى صعوبة السيطرة عليها في ظل الظروف الحالية. “في بعض الحالات، يصبح العلاج مستحيلاً إذا لم يتم تحسين البنية التحتية الصحية بشكل عاجل.”

التقينا “فراس منصور” مدير المشاريع الطبية في فريق الاستجابة الطارئة أخبرنا بالتالي:”تشمل مضاعفات عدم وجود صرف صحي في المنطقة العديد من المشاكل، مثل تراكم النفايات وضعف الخدمات الصحية والصرف الصحي، تتفاقم هذه المشكلة بسبب طبيعة المخيمات العشوائية التي أُنشئت على الجبال والوديان، بعيداً عن شبكات الصرف الصحي، وخاصة بعد حركة النزوح الكبيرة في عام 2019 من ريفي حماة وإدلب، هذا النزوح أجبر العديد على التخييم في مناطق غير مجهزة، مما يجعل معالجة المشكلة بشكل كامل حالياً غير ممكنة ومع ذلك، يمكننا من خلال الاستجابة الطارئة المساهمة بشكل جزئي عبر تأمين صرف صحي مؤقت باستخدام صهاريج الجور الفنية للصرف الصحي. “فراس منصور، مدير المشاريع الطبية في فريق الاستجابة الطارئة.”

“الجهات المسؤولة وأسباب انتشار العشوائيات في مخيمات قاح”

من جهته، أكد “عامر البشير”، مدير المشاريع الإنسانية والتنموية، أن الجهود الحالية تتركز على تحسين أوضاع المخيمات العشوائية في منطقة قاح، وأوضح أن الخطة تشمل توجيه الشركاء المحليين لتمديد شبكات الصرف الصحي والمياه داخل المخيمات، وذلك بعد الحصول على موافقة أصحاب الأراضي وتوقيع عقود إيجار لا تقل عن خمس سنوات، وأضاف البشير أن مشاريع إنشاء محطات مياه وتجهيز الآبار العامة تُعدّ من بين الحلول العاجلة لمعالجة الأوضاع المتدهورة، مؤكدًا أن تحسين البنية التحتية لهذه المخيمات يمثل خطوة حاسمة نحو توفير حياة كريمة ومستدامة للعائلات التي تعيش فيها.

كما أن المخيمات في منطقة قاح تعاني من غياب خدمات الصرف الصحي والبنية التحتية الأساسية على الرغم من جهود مديرية التنمية والشؤون الإنسانية في أطمة بالتعاون مع منظمتي ACTED والأيادي الخضراء، يعود السبب إلى انتشار المخيمات العشوائية منذ عام 2012 ووعورة الأراضي التي أقيمت عليها، ما يتطلب تكاليف ضخمة لتسويتها وتطويرها، حيث تصل تكلفة تمديد 1000 متر طولي من شبكات الصرف الصحي إلى 24,770 دولاراً. تشمل الحلول المقترحة نقل العائلات إلى بيوت إسمنتية أو مسبقة الصنع، مع توقيع عقود إيجار للأراضي لمدة لا تقل عن خمس سنوات لإنشاء شبكات المياه والصرف الصحي، ذلك حسب “عامر البشير”

ألتقينا “م.محمد العبدو” قائد فريق Alwwshـ جمعية عطاء للإغاثة الإنسانية أخبرنا :” أن جمعية عطاء للإغاثة الإنسانية تسعى إلى تحسين البنية التحتية في شمال سوريا، حيث نفذت مشروعاً في منطقة سرمدا لربط قرية كفردريان بشبكة الصرف الصحي العامة بامتداد 8 كيلومترات، مما يخدم أكثر من 100 ألف نسمة، بينهم سكان 15 مخيماً، المشروع ساهم في تحسين الصحة العامة والبيئة من خلال التخلص من قنوات الصرف المكشوفة التي كانت تسبب الأمراض الجلدية وانتشار الحشرات، ويجري تنفيذ هذه المشاريع بالتعاون مع السلطات المحلية لضمان الاستدامة وتحقيق الاستقرار، تعاني المنظمات التي تعمل على دعم البنية التحتية في المناطق المحررة، من تحديات تواجههم بسب الدعم الذي أصبح شبه معدم، مما ينعكس عن تقصير في الخدمات اللوجستية بالمنطقة، كما أن الاسر التي تعيش ضمن مخيمات عشوائية62% الأسر تحت خط الفقر 91% أحصائية محلية مصدرها “عامر البشير”.

وفقاً لتقرير مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية، فإن خطة الاستجابة الإنسانية لسوريا لا تزال تعاني من نقص التمويل، حيث تم تمويلها بنسبة 21٪ فقط حتى يوليو 2024. ومن دون زيادة في التمويل، سيتم قطع الدعم عن المياه والصرف الصحي لحوالي 192 مخيماً، مما سيؤثر على 250,000 من سكان هذه المخيمات.

معاناة سكان مخيمات قاح وغيرها من المخيمات المتضررة واقع لا يمكن تجاهله أو تجاوزه، حيث يجسد غياب نظام الصرف الصحي صورة واضحة عن تدهور الظروف المعيشية في هذه المناطق، إن هذا التدهور ليس فقط نتيجة لعوامل سياسية أو اقتصادية، بل هو نتاج بيئة قاسية تتطلب حلولاً واقعية وجذرية، تعيد للإنسان حقه في العيش بكرامة بعيدًا عن الظروف التي تهدد صحته وسلامته.

أزمة الصرف الصحيالأمراض الجلديةالصرف الصحيسوريامخيمات الشمال السوريمريم الإبراهيم