” من دون أوكرانيا لم تعد روسيا إمبراطورية، لكن مع خضوع أوكرانيا تصبح روسيا إمبراطورية بشكل تلقائي.” مقولة للمفكر بريجنسكي أحد منظري السياسة الخارجية الأمريكية، ومستشار الأمن القومي الأمريكي في عهد الرئيس كارتر في حقبة الحرب الباردة.
عبارة يفرضها التاريخ على وقائع اليوم، حيث لا تزال أوكرانيا عقدة الصراع بين المعسكر الغربي والشرقي، وزادت في الفترة الأخيرة حدة هذا الصراع مع حشد موسكو لقواتها على الحدود الأوكرانية وزيادة دعمها للانفصالين الموالين لها في مواجهة كييف.
أوكرانيا المحاصرة بأحلام بوتين السوفيتية تتلقى دعمًا من الأوربيين والأمريكيين وصل للمساس بخطوط بوتين الحمراء عندما أعلنت أوكرانيا بالأمس رغبتها بالانضمام للناتو وتبعها إشعار أمريكي بدخول سفن حربية إلى البحر الأسود عقب اتصالات مع عواصم أوربية عديدة حول الوضع الأوكراني.
وهنا يطرح السؤال نفسه: هل يقدِم المعسكر الغربي على حرب مع روسيا من البوابة الأوكرانية؟ وما هي تداعيات هذا التحرك إن حصل؟
لمتابعة كل جديد اشترك في قناة صحيفة حبر على تلغرام اضغط هنا
لا شك أن ظروف العالم اليوم قد تغيرت عن فترة الحرب الباردة والمتغير الأبرز في معادلة اليوم هو العامل التركي، إضافة إلى جنوح عدد من الدول الأوربية إلى الانفتاح الاقتصادي والبناء السلمي للعلاقة مع موسكو مثل برلين، التي تعدُّ القلب النابض للاتحاد الأوربي.
الصراع الذي تقوده إدارة بايدن اليوم شرق أوكرانيا لا يحتمل عبثًا غير مدروس في حديقة الدب الروسي، حيث تعدُّ موسكو أوكرانيا جوهرتها المفقودة اقتصاديًا، ورأس حربتها عسكريًا وذلك الفتى المدلل المحكوم بعلاقة الأخ الأكبر.
اقرأ أيضاً: توتر متزايد بين أوكرانيا وروسيا.. ما أسباب الخلافات؟
المسألة للأمريكيين لا تختلف كثيرًا عن ضم روسيا للقرم ودعمها للنظام الموالي لها في بيلاروسيا في مواجهة احتجاجات المعارضة، حيث أقصى ما فعلته واشنطن هو فرض عقوبات اقتصادية على موسكو، اليوم تبدي واشنطن اهتمامًا مختلفًا عن سنوات سابقة، لكن لا يرقى لأن يكون قد وصل مرحلة المواجهة، بعكس موسكو التي تدفع بقطارات الأسلحة نحو الحدود مع أوكرانيا.
وعلى الأغلب فإن الموقف الأمريكي سيكون من خلال التدخل السلبي في هذه المواجهة بألَّا تسمح لبوتين بابتلاع أوكرانيا، غير أنها لن تساعد كييف على استعادة أراضيها أو فتح معركتها مع موسكو.
من جهة أخرى فإن الأوربيين شركاء الناتو منقسمين بين مواجه تحت المظلة الأمريكية، وبين من هو محاور لموسكو ومتعامل اقتصاديًا وسياسيًا معها، إلا أن دور بوتين في زعزعت النسيج الأوربي، وتسميم نافالني، وخطر اختراقه للسهل الأوربي من بوابة الشرق الأوكراني، قد يدفع الأوربيين مجتمعين لمواجهة بوتين في الخندق الأوكراني.
أما تركيا الحلف العضو في الناتو فإنها تتمتع بهامش مناورة أكبر من السابق وهي تتحكم بمضيق البوسفور مع البحر الأسود، حيث تجعل منه بحيرة متى شاءت في حال دخلت الصراع عسكريًا، وهو ما كان موضوع نقاش بوتين وأردوغان في اتصال الأمس، بالإضافة إلى سورية وليبيا وأذربيجان.
كما أن زيارة الرئيس الأوكراني اليوم لأنقرة ستلعب دورًا مهمًا في توجيه دفة الصراع في الشرق الأوكراني، وبتبني أنقرة مواقفها وتوجهاتها قد ينعكس عليها اقتصاديًا وسياسيًا وفي كثير من الملفات في المنطقة.
فالموقف التركي المناوئ للسياسة الروسية في شرق أو كرانيا قد يحمل غضب الكرملين إلى خطوط التماس التركية في الشمال السوري، بينما سيكون لتوازن موقفها رد فعل لا يقل عن حفاظ على الوضع الحالي.
من جهة أخرى قد لا تغضب أنقرة موسكو في هذا الصراع مقابل مكاسب أخرى في مكان تتشابك مصالحها مع روسيا، وهو ما قد ينعكس على الملف السوري أو الأذري والليبي بشكل أفضل وفق منظور أنقرة لهذه المسائل.