يستطيع حال المساجد في سوريا أن يختصر حال السوريين، فقيمة وشرف وكرامة أي أمة تكمن في دينها ومقدساتها، وانتهاك مقدسات أي أمة هو أبشع الانتهاكات بحقها وأشد الإهانة لها والأكثر إيلاماً واستفزازاً لمشاعرها، ولهذا كانت بيوت الله تختزل مأساة السوريين في حين كان تتوجه إليها فوهات مدافع الحقد الطائفي والحكم الدكتاتوري الاستبدادي.
عمد نظام الأسد وحزبه خلال سنوات حكمه على محاربة وتدنيس مقدسات الشعب السوري ولاسيما المقدسات الإسلامية وذلك ضمن سياسة الابتزاز والقمع التي تعمل على استفزاز مشاعر السوريين بتدنيس وإهانة مقدساتهم ورموزهم الدينية ثم قمع أي حالة من الغضب والاستنكار وذلك لتكريس حالة من الخوف والذل والخنوع بين السوريين تمكن آل الأسد من البقاء في سدة الحكم.
وليست الدوافع الطائفية وحدها من فعلت الأفاعيل بمقدسات السوريين بل شاركتها النزعة الشيطانية التي تصيب كل من أراد أن يعتلي الحكم بالنار والحديد، فبمعتقد شبيحة الأسد، أن قائدهم يعلو ولا يعلى عليه، والأسد أقدس المقدسات في الحظيرة التي يمتلكها بمن وما فيها، والتي تدعى سوريا، وعلى جميع السوريين أن يمجدوا ويهللوا ويسبحوا بحمد عرابهم الأكبر الأسد.
ولحزب الأسد “حزب البعث العربي الاشتراكي” تاريخ حافل بتدنيس المقدسات وبخاصة المقدسات الإسلامية، فقد وجد الحزب لحرمات الله مكانة كبيرة في قلوب السوريين فراح يجلد بسياطه قلوب السوريين بتدنيسه لمقدساتهم لكبت كل الأصوات المعارضة وقمع أي حركة تحرر أو عصيان لحكمه الاستبدادي.
ورغم مرور سنوات طويلة … لا ينسى أهالي دمشق يوم أن اقتحمت دبابات وعربات البعث المصفحة ساحة المسجد الأموي رابع أشهر المساجد الإسلامية بعد حرمي مكة والمدينة والمسجد الأقصى عام 1965، ليرتكب الحزب مذبحة داخل المسجد راح ضحيتها العشرات، وأصيب واعتقل المئات، وذلك لفض اعتصام التجار في المسجد ضد القرارات التأميمية الظالمة والأحكام الاقتصادية غير العادلة، في حين أعلن وزير الداخلية آنذاك فهمي العاشوري من إذاعة دمشق أنه “لو وقفت الكعبة في طريقنا لهدمناها”.
تعود الشعب السوري على مشاهدة العبارات التي تهين وتهزأ بمعتقداتهم مكتوبة على جدران الشوارع بالخط العريض، كعبارة “لا إله إلا الأسد” و “منغير الله ولا منغير الأسد” و “البعث ديني وربي بشار الأسد” وغيرها الكثير من العبارات التي لا يجرؤ المرء على التفكير بها فضلاً عن لفظها وترديدها، في حين اعتاد الشارع السوري على سماع جموع الشبيحة يرددون بأعلى صوت “هي ويالله والأسد هو الله” كما شاهد العالم الفيديوهات المسربة لتعذيب المعتقلين وإجبارهم على نطق العبارات السابقة وقتلهم في حال رفضوا ذلك.
ورغم كل ما نشهده من انتهاكات الأسد وحزبه للمقدسات الدينية لا نستغرب أبداً أن نرى الأسد أو من سبقه بالحكم الاستبدادي لسوريا يصلي بين جموع شيوخه المطبلين له وضباط جيشه الذين يرتدون زي المواطنين المحبين والمؤيدين له في كبرى المساجد السورية، بينما كان الجندي في الجيش السوري يتلقى أشد العقوبات والإهانات بسبب أدائه للصلاة الممنوعة أثناء تأدية الخدمة العسكرية رغم أنها عماد الدين الإسلامي.
وخلال سنوات الثورة السورية كان الأسد يظهر بين الحين والآخر على شاشات إعلامه الزائف وهو يؤدي الصلاة في المساجد بينما كانت الطائرات الحربية السورية والروسية ومدافع المليشيات الموالية تدك مساجد المدن الخارجة عن سيطرته فوق رؤوس المصلين لتهوي المآذن وتركع لله شاكية ظلم الأسد ومن والاه، وتتضرج ساحات المساجد بدماء وأشلاء المصلّين، كما كانت شبيحته تدنس مساجد المدن التي يقتحمونها بتعذيب وذبح الأسرى المدنيين وشرب الخمور واغتصاب النساء داخلها بحسب المقاطع المسربة من جنود الأسد والتي قد يتم تسريبها عمداً لترهيب الشعب السوري وإخضاعه.
كما أن المصحف الكتاب الأقدس والأقرب لقلوب غالبية السوريين والمسلمين بشكل عام، الكتاب الذي يُحرّم الدين الإسلامي لمسه دون التطهر والوضوء لم يسلم من تدنيس شبيحة الأسد بتلويثه بالنجاسات وتمزيقه وحرقه وإجبار المعتقلين على ذلك تحت ضغط التعذيب والتهديد بالقتل.
ولم تسلم أيضاً المساجد المتواجدة في مناطق سيطرة الأسد من الانتهاكات بممارسة اللطميات وشتم صحابة رسول الله ﷺ وآل بيته داخلها وتحويلها لحسينيات لتعليم أطفال وشباب السوريين التشييع من جهة وترهيب الأهالي من الإعتراض من جهة أخرى، ولدينا الكثير من الأمثلة كحداثة قتل الشاب “محمد أديب جليلاتي” على أيدي عناصر المليشيات الإيرانية، بسبب اعتراضه على إمام مسجد سمح باعتماد المذهب الشيعي في مسجد سني الأصل، رغم أن معظم المصلين من السنة، فضلاً عن إحراق وتخريب بعض المساجد على خلفية رفض الأهالي السماح لمعمَّمين شيعة بأداء طقوسهم داخلها.
وعانت المساجد السورية من إهمال متعمد دفع العديد من الحمقى للتجرؤ على انتهاك حرمات الله بتشغيل الموسيقى والغناء والرقص داخل المساجد، أو ممارسة طقوس أخرى مخالفة للمعتقدات الإسلامية.
أخيراً وليس آخراً ، تظهر لنا مؤخراً وزارة أوقاف نظام الأسد التي ما عهدناها إلا عمياء وصماء وبكماء، لتبرر ممارسات أشبه بطقوس الديانة البوذية أقيمت داخل المسجد الأموي في دمشق وتحديداً في محراب المسجد دون رقيب ولا حسيب، قائلة “أنها تؤكد حرصها على حرمة الجامع الأموي وكذلك كافة المواقع الدينية والمقدسات في البلاد وعدم العبث بها أو الإساءة لها بأي شكل من الأشكال”، متجاهلة كل الانتهاكات التي ارتكبها نظام الأسد وحزبه وطائفته وحلفائه بحق حرمات الله على مدى سنين طويلة، وضاربة بعرض الحائط ما حفظته قلوب السوريين قبل عقولهم من مآسي وفظائع شهدوها داخل بيوت الله وتدنيس وإهانة لمقدساتهم ورموزهم الدينية.
فأين وزارة الأوقاف من حماية المقدسات الدينية؟ وأين هم من انتهاك حرمات بيوت الله بقصفها وارتكاب المجازر والفظائع بداخلها، فضلاً عن التطاول على رب العزة والجلال بعبارات موغلة بالكفر والإلحاد من قبل جنود الأسد، وأين هم من تشييع المساجد والقتل والتنكيل بمن يعترض، وأين شيوخ وخطباء الأسد وهم يعتلون منابر بيوت الله ويمدحون ويعظّمون فرعون العصر الأسد من قوله تعالى “وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن مَّنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَن يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَىٰ فِي خَرَابِهَا ۚ أُولَٰئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَن يَدْخُلُوهَا إِلَّا خَائِفِينَ ۚ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ”