كلماتها العذبة، ومشاعرها الرقيقة، وإحساسها المرهف، كالكيميائيات تتفاعل في الدماغ لتؤثر على كثير من الأحاسيس والسلوكيات بما في ذلك شد الانتباه وحسن التحريك وسلامة التوجيه. الأنثى بدورها كأم وكأخت وزوجة وابنة تقدم لنا الإيعازات الحسية الصادقة بلا مقابل كمادة الدوبامين التي تفرزها غدد الجسم المسؤولة عن منحنا الشعور بالسعادة والأمان والإحساس بالمتعة والإدمان. عظيمة هي في دورها سواء علمت بذلك أم لا وسواء اقتنعت أو لم تقتنع. الوصف الحقيقي للأنثى كالدورة الدموية الثالثة للقلب التي تلي الدورتين الدمويتين الصغرى والكبرى و تستمدان منها حياة القلب، وبتعبير أدق الأنثى قلب الحياة النابض حتى وإن تفنن الرجال في نقدها و تهميشها ونعتها بالغباء والنقص؛ وإنْ عدَّها أصحاب البزة الرسمية وربطة العنق أنَّها إنسان من الدرجة الثانية و أسكتوا صوتها وأخمدوه بفهمهم القاصر لمقولة: “ناقصات عقل ودين” تلك المقولة المحرفة عن معانيها الحقة، لكن ذلك كله لا يغير من حقيقة كونها الأقوى والأجدر بتحمل الأعباء و المسؤوليات، فالخطأ الجسيم الذي ارتكبته الأنثى أنَّها علِمت بما يتكلمه عنها به الرجال، لكنَّها سكتت عنه كأنَّها تثبت لهم صدق ما يدعون ويصفون، فما كان منهم إلا أن فهموا ذلك وضاعة منها وضعفاً، وﻷنَّ الإسلام كان رؤوفاً بها، ومعظماً لشأنها وهيبتها ومكانتها فوضع عنها بعض الواجبات والتكاليف نظراً لكثرة الأعباء التي تتحملها أساساً، فقد طبَّق الرجال ذلك عن غير فهم، وقاموا بتنحيتها جانبا، ﻷنَّهم لم يدركوا الغاية، وقام بعض الذكور بحرمانها من حقوقها أيضا نتيجة تشوه فهمهم للدين ولعادات المجتمع ولمكارم الأخلاق، فاعتبروها قاصراً في حقها تجنياً منهم، وبدلاً من إكرامها سلبوها حقوقها بحجة أنها لا تستطيع إدارة هذه الحقوق!!! ولأن المرأة كائن لطيف خلوق لا يحبذ الصراعات، ما كان منها إلا السكوت ثانية واستيعاب عقدة النقص التي يعانيها الرجال في أيامنا هذه واتباعها معهم سياسة الاحتواء لقناعتها أنَّ المجموعة الكبيرة عليها أن تحتوي الصغيرة دائما، والعلاقات الرياضية تثبت صحة ذلك.
تدهشنا الأنثى بقوة استيعابها وإدراكها العقلي، فلو أرادت تغيير حالها لاستطاعت بسهولة، لكنَّها أبت إلا أن تكون الرقيقة وأرادت الحياة حياة وحباً لا صراعاً وكراهية، إيثاراً منها ومعرفة بالدور الكبير الملقى على عاتقها بحفظ استقرار الأسرة والمجتمع، وتقبلت الظلم أحياناً لتثبت لنفسها أنَّها على قدر كافٍ من تحمل المسؤوليات والصبر على الشدائد، فماذا بمقدور الرجال أن يفعلوا أكثر؟! اليوم هذه الضعيفة تقف بمواجهة أقصى ما استطاع الرجال أن يفعلوه، أي ضعيف لا يقهر هذا؟! بخلافها هو لا يقوى على تحمل موقف بسيط منها، فيشعر حالا بالتوتر والارتباك ما إن تبدي رأيها بموضوع خلاف رأيه، فيطبقه راغماً لكنَّه يكابر في الاعتراف، ممَّا يجبرها أن تبادله ابتسامتها الاحتوائية مجدداً.
على الرجل أن يكون منصفاً وواقعياً بعض الشيء، تهديه الأنثى ربيع عمرها وتلبي كافة رغباته النفسية والجسدية والاجتماعية، ليهديها الظلم والقلق عليه في غيابه والسهر على راحته ورطلاً من البندورة والخضار لتطبخ له وتطعم أولاده وربما كلمة ثناء وقبلة شكر مرة في كل عام!
الأنثى تعلم جيدا لما يطبق الرجل عليها سياسة الجور؛ تعلم أنَّ الخوف وراء ذلك؛ خوفه من تميّزها لا من تمردها تلك هي عقدة نقص الثقة التي تنتاب الرجال، فلا يتيحون لها متسعاً كافياً لعرض أفكارها وآرائها خشية التقدم عليهم، فهم على يقين أنَّها إن قالت وقصدت فقد فعلت، وهم يرون كيف تستطيع إدارة أعباء عظيمة كل يوم ليس بوسعهم هم الرجال الأشداء التعامل معها.
لذلك إما أن يتابع الرجال نصرهم الزائف ويخففوا من حدة غرورهم ومزاعمهم الفلسفية الفارغة فتتعاون معهم النساء في ديمومة هذه المسرحية الاستعراضية وتمثل دور البريء المظلوم لتشعرهم بقليل من التميز جبرا لعواطفهم المهزوزة، وإما أن يزداد الرجال انخراطا في الدور التمثيلي لحد لا تطيقه النفوس، فعليهم الاستعداد لجولة إعادة الحقوق والواجبات إلى مجاريها الصحيحة لتعيد الرجال رجالاً بحق، وتأخذ النساء دورهن الحقيقي مرة أخرى غلاباً، والأفضل من هذا وذاك أن يتعاون الرجال والنساء في جعل المجتمع أفضل وفي توازع الأدوار بينهما باحترام للطرفين ودون صراع بينهما، وبتقدير لمساهمة المرأة العظيمة في استقرار المجتمع كل ذلك الوقت. لأنها صانعة السعادة الحقيقية.