الإعلان الدستوري والحكومة الجديدة

أحمد وديع العبسي .
الإعلان الدستوري والحكومة الجديدة

منذ أن صدر الإعلان الدستوري في سورية، والحديث بالانتقاد والتفهم لم يتوقف بين السوريين، فالإعلان من وجهة نظر البعض لم يلبِ طموحات الثوار، ولم يكن على قدر تضحيات السوريين للوصول إلى دولة تعددية ديمقراطية!! خاصة أنه اشتمل على فترة انتقالية طويلة نوعاً ما كما يقول المنتقدون …

المتفهمون على الجانب الآخر رأوا في الإعلان ضرورة لمواجهة تحديات أمنية واقتصادية وعسكرية كبيرة، وأزمات ما زالت تحيط بالبلاد من كل جانب، وتهديديات لا يمكن التعامل معها بمنطق الاختلاف والأغلبية والتعطيل أو أي من أدوات الديمقراطية، ووصفوا الدستور بأنه يمنح الدولة الجديدة مرونة وحرية أكبر في الحركة واتخاذ القرارات المهمة، مع وجود صياغات تؤسس لفصل السلطات وهيمنة سلطة القضاء وعدم منح القيادة القدرة على التشريع، وإن كانت الآليات الحالية في الإعلان الدستوري لا تخدم هذه النصوص تماماً، ولكنها تؤسس بشكل جيد لدولة المواطنة والحرية.

اقرأ أيضاً: تعيين الشيخ أسامة الرفاعي مفتياً عاماً لسوريا وتشكيل مجلس…

أمّا عن المدّة فاعتقد أنها سنكون مرنة، ومن الممكن في حال تعافي البلاد أن يتم الدعوة لانتخابات مبكرة وانهاء العمل بالإعلان الدستوري، وهذا أفضل من أن تكون المدّة غير كافية ويتم تمديدها.

الجيد في الأمر، أن المادحين قلة نادرة، وهذا مطمئن جداً، فرغم أهمية التفهم، وضرورة أن لا تخلوا البلاد من الانتقاد، يجب ألا يتم مدح نصوص قائمة على مبدأ الضرورة، وفعلاً هي لا تلبي طموحات وتطلعات الشعب السوري، وهذا ما يضمن أن الشعب قادر على قيادة حركة تغيير قادمة، لو فكرت هذه السلطة أو غيرها التغوّل وتعويم النصوص المؤقتة لتصبح دائمة.

والاصوات المرتفعة في النقد حتى لو كانت أحياناً حادة وغير منصفة تماماً، هي أصوات ضرورية لنتلمس بوضوح مساحات الحرية الجديدة، وقدرة السلطة القائمة على الاستيعاب والتفهم أيضاً، والاستماع والاستفادة، وأصحاب هذه الأصوات هم من الشجعان القادرين على إبراز الرأي الآخر رغم فيض الآراء (المتفهمة) وهم من يحفظون مساحة الاختلاف ويحمونها من التلاشي لننحاز إليها عندما تصبح ضرورية.

لا أريد الدخول في سجال النقاط الدستورية الإشكالية، ولكن حسبي أنني أريد أن أبدي إعجابي الشديد بهذه البيئة الجديدة من النقاش المستمر الذي يجتاح السوريين في كل مكان، ويؤسس لتمكين ثقافة الاختلاف والتعددية، ويعوّد السوريين على تقبل بعضهم واحترام وجهات النظر المختلفة والاستماع المنصف لكل الآراء، فبرأيي هذا أحد أهم المكتسبات الذي يجب أن نحافظ عليه بعد الثورة، ومهما وقفنا إلى جانب السلطة وحاولنا تفهم ممارساتها، يجب ألا يكون صوتها هو الصوت الوحيد في البلاد، ولا الصوت الأكثر ارتفاعاً.

الحكومة السورية الجديدة

على بعد ساعات فقط أو يوم على الأكثر من إعلان الحكومة الجديدة، تبرز أيضاً الآراء المختلفة حولها، والحماس تجاه أسماء معينة، والتحفظ على أسماء أخرى، وبين وعود الدولة بالتكنوقراط، واهتمام الثوار بأهمية الثورية وعدم استخدام أي من رموز النظام السابق، ومراقبة الدول لتشكيل الحكومة بحيث لا تظهر وكأنها من توجه واحد، وضرورة إرضاء بعض الأقليات ولو بشكل غير معلن، يبدو تشكيل هذه الحكومة صعباً جداً، وفي الغالب لن يكون مرضياً لأي طرف، ولا حتى للقيادة!! وستبقى محل انتقاد حتى تبدأ انجازاتها تظهر بوضوح في مصالح الناس وبنية الدولة وبنائها.

الملاحظ والإيجابي في هذه التجربة، أن غالبية الثوار يرغبون في المشاركة بأي شكل لخدمة بلادهم وبنائها، بعد أن ابتعدوا عنها طويلاً حتى وهم يسكنون أرضها، كما أن هناك رغبة كبيرة لدى كثير من بقية المكونات لإثبات ولائهم للبلاد، ولتخطي فترة صمتهم السابقة بإنجازات مهمة يقومون بها عبر خبرتهم في العمل، وهذا برأيي قاسم مشترك بين الصادقين والمخلصين من جميع الأطراف (الرغبة في العمل والبناء)

كما يجب الانتباه لرغبة كبيرة عند البعض محاولة تبييض صورتهم السابقة، والتمسك بالمكاسب السلطوية التي كانوا يمثلونها في بنية الدولة قبل التحرير، أو في بنية الثورة قبل التحرير، فالمتسلقين ومحبي المكاسب حاضرون حول التشكيل الجديد وإن اختلفت نسبتهم وتوزعهم.

وهناك فئة ثالثة ستمثل مصالح دول أخرى (كيانات – تحالفات)، أو مصالح متبادلة في أحسن الأحوال، واعتقد أن هذه أخطر فئة يمكن أن توجد في الحكومة الجديدة، مهما كانت ذات خبرة وكفاءة وإخلاص، لأنها فئة لا تمثل السوريين ولا تستند في بقائها بالسلطة لخدمتهم، بل تمثل الدول الداعمة لها في مواقع السلطة، وستعمل جاهدة على تحقيق مصالح هذه الدول أو الكيانات.

هذه الفئات الثلاثة غالباً ستكون حاضرة، ولمواجهة أي انحراف في بوصلة الحكومة الجديدة، يجب أن تكون الأصوات المنتقدة والمراقبة والمتفهمة موجودة وواعية، ويجب عدم إقصاء هذه الأصوات، لأن الانتقاد هو ما يحمي البلاد في الفترة القادمة من الانهيار، والاستماع له هو ما يضمن تلبية مطالب الناس وخدمتهم وتمثيلهم وحماية المجتمع من أي اقتتال أو تنازع.

في النهاية لا بدّ أن تسود لغة القانون بين المجتمع والدولة ومؤسساتها وسلطتها، ويجب أن تعبر القوانين الجديدة عن مصلحة الناس، لا عن أفكار في الإدارة أو التخطيط أو مصالح ضيقة لفئة معينة، فتصميم القوانين يكون في خدمة الناس ثم يتم بناء الخطط وتحديد نموذج إدارة البلاد وفق هذه القوانين، لا العكس، وهذه مهمة يجب أن تكون في صلب أهداف المجلس التشريعي القادم.

الإعلان الدستوريالحكومة الجديدةالدستور الجديددستور سورية الجديدسوريا