التأييد الكلامي وحرب الصلاة والتصريحات/ هكذا يدعم الغرب أوكرانيا

أحمد وديع العبسي

من الواضح جداً أن الأسلوب الجديد، الذي قرر الغرب فيه دعم حلفائه القدامى والجدد لا يتجاوز التصريحات والبعبعة والصلاة في أحسن أحواله، وربما يرتقي للدعاء المتواصل، الدول القوية مع الولايات المتحدة التي شكلت تحالف المنتصرين بعد الحرب العالمية الثانية، تقف اليوم عاجزة أمام روسيا التي تهاجم أوكرانيا عقوبة لها لأنها رغبت في دخول الحلف الأوروبي والناتو، أوكرانيا التي ضحت بمستقبلها من أجل مصالح الولايات المتحدة وأوروبا، تترك وحيدة اليوم في مواجهة الروسي الذي يعاقبها بقسوة، دون أن تجد أي مساندة، فما يبدو أمها لا تمثل مصالح كبيرة للغرب من أجل أن يدعمها عسكرياً، فكلفة مواجهة روسيا أو وضع حد لها في أوكرانيا أعلى بكثير من كلفة خسارة أوكرانيا، وكان على الأوكرانيين أن يعرفوا ذلك جيداً قبل أن يقفوا بجانب حليف لا تهمه إلا مصالحه الكبرى، ومستعد للتخلي عن من يضحون في سبيله إذا كانت الخسائر غير متوازنة مع المصلحة

حتى الساعة هذا شكل أبرز التصريحات التي وزعها الناتو وأوروبا والولايات المتحدة من أجل أوكرانيا 

  • بايدن | نندد بالعدوان الروسي وسنقدم المساعدة لأوكرانيا وسنفرض مع حلفائنا عقوبات على روسيا، وما تفعله روسيا سيؤدي إلى خسائر بشرية، وسيستغني العالم عن الغاز الروسي!!
  • الأمين العام لحلف الناتو | قدمنا لأوكرانيا أنظمة دفاعية لكن ليس لدينا نية لإرسال قواتنا، الناتو والاتحاد الأوروبي يدينان معاً الانتهاك الروسي للقانون الدولي، ونحن متوحدون في وجه روسيا المنعزلة والوحيدة، سنعقد اجتماع للدول السبعة لمتابعة مجريات الحرب على أوكرانيا، وللتعبير عن وحدة الاتحاد الأوروبي والناتو في وجه بوتين، الناتو سيعقد قمة افتراضية غداً مع حلفائه لبحث ما ستصل إليه الحرب الروسية على أوكرانيا حتى الغد، ونحن ندعم حق الدفاع عن الذات لأوكرانيا
  •  رئيس الوزراء البريطاني | سنخفف الاعتماد على الغاز الروسي، وسنعمل على مزيد من العقوبات لإفشال الحملة الروسية التي قام بها بوتين، سنصلي من أجل أوكرانيا، ونعرف أن الشهور القادمة ستكون صعبة.
  • الرئيس الفرنسي | فعلنا كل ما بوسعنا لإيقاف العدوان على أوكرانيا، وسنرد الآن بكل برودة أعصاب، سنتحمل كل المسؤوليات لحماية سيادة أوكرانيا، وسنقوم بعقوبات سياسية وعسكرية عميقة، يجب أن لا نذكر الماضي لأن ذلك سيكون له عواقب وخيمة، علينا أن نتوحد من أجل أوكرانيا
  • رئيسة المفوضية الأوروبية | العقوبات الاقتصادية ستكون شاملة للمجال البرمجي، وستضر الاقتصاد الروسي، وسنقوم بها بالمشاركة مع حلفائنا من خارج أوروبا

 

أمّا الصين فهي لا تحبذ أن تكون حليفاً لأحد في هذه الحرب لذلك فهي تفعل ما نفعله نحن الصحفيون، وما تفعله الأمم المتحدة في الأزمات المشابهة  .. تراقب عن كثب .. وتقلق .. وتدعو لضبط النفس، والأخيرة هذه خاصة بالصين والأمم المتحدة، فنحن جماعة الإعلام لا ندعو ولا يسمعنا أحد، وإنما ننقل دعاء الآخرين ونؤمن عليه في أحسن الأحوال.

 

وأثناء هذه التصريحات تكاد روسيا تدمر قوة أوكرانيا بالكامل، وقد رفعت علمها على مقر برلمان محلي في ثاني أكبر المدن الأوكرانية، ويبدو أن الناتو يريد الانتظار حتى الغد لعقد قمته حتى لا يضطر لمزيد من التصريحات الفارغة إذا أحكمت موسكو سيطرتها على أوكرانيا في الساعات القادمة.

لا نية حقيقية للغرب في دعم أوكرانيا، ولا في الدخول بمواجهة مع موسكو، على الأقل هذا ما يظهر من التصريحات، والحروب الكلامية، فحتى الآن لم تقم أوروبا أو أمريكا بأي خطوة لم يتوقعها بوتين، فمن المؤكد بوتين توقع العقوبات الاقتصادية القاسية وتوقّع ما سيحدث للعملة الروسية وانخفاضها الكبير، ووضع بحسبانه الصلاة من أجل أوكرانيا أيضاً فصلى مسبقاً من أجل حربه! يا للخيبة! حتى تقليل الاعتماد على الغاز الروسي توقعه بوتين، ولكن الإعلام يحب التصريحات الجديدة، وكأنها ستغير شيئاً في المعادلة المنتهية، التي ربما اتفق حولها بوتن مع الغرب من تحت الطاولة قبل أن تبدأ المعركة، وربما صلوا معاً من أجل الضحايا والمدنيين، هؤلاء الذين هم خسائر الحروب في كل مكان.

ربما المفاجأة الوحيدة في العقوبات هو ذلك العمق الذي تحدث عنه ماكرون الرئيس الفرنسي!، … واضح أن الاستخبارات الروسية الآن تحاول فهم عقوبات ماكرون العميقة، أين ستصل مثلاً، هل يمكن أن تصل لتصريحات بعد منتصف الليل، أو لاجتماع البرلمان الفرنسي ساعة إضافية للتضامن مع أوكرانيا، أو أن يضع الرئيس الفرنسي علم أوكرانيا كربطة عنق دلالة على تضامنه؟! أو ربما ستخرج مظاهرات، نعم ربما هي المظاهرات والصراخ الشعبي الذي سيمتلئ بالهتافات العميقة، والأعلام الأوكرانية في وسط باريس … يا للسخرية!

أو المفاجأة الأخرى ربما تكون في العقوبات على المجال البرمجي، هذه عقوبات غير متوقعة، ستضطر روسيا لتشن هجمات سيبرانية جديدة على أوروبا كلها كما تفعل دائماً للدفاع عن مجالها البرمجي، ستكون حرباً مكلفة .. ربما من يدري !!

 

ختاماً .. يبدو أن الغرب قد امتلأ بالمشاكل التي تجعله لا يستطيع التفكير بحلفائه، وعلى من يثق بالغرب أن يراجع حساباته قبل أن يقع ضحية لبعض الصفقات مع روسيا أو الصين أو غيرهما، وكما نقول بالعامية: (راح فرق عملة)

 

أحمد وديع العبسيأوكرانياالاتحاد الأوروبيالحرب الروسية الأوكرانيةالصينالمفوضية الأوروبيةالولايات المتحدةحلف الناتوروسيا