علي سندة
يتبادر إلى الذهن سؤال بادئ قراءة العنوان وهو تطهير الأعمال من أي شيء؟ إن أي عمل يقوم به الإنسان فيه الخير والشر معًا، ولا يستقيم عمله مهما كان نوعه إلا إذا بُني على أساس متين ينطلق منه، ليستطيع من خلاله تشييد ما يبتغي ويبقى أمامه دون أن يتعرض لهزات وانتكاسات تؤدي إلى سقوطه كاملًا، فيسقط معه في شر أعماله وهو يظن أنها الخير كله.
اقرأ أيضاً: أردوغان يهدد نظام الأسد ويرفض وصف بوتين بالقاتل!
وبمثال مبسَّط فإن أي عمل هو كالبناء تمامًا، إذ إن الأصل في البناء وجود الأساسات التي يشيَّد عليها، وفي احتمالية تعرضه لأضرار ربما ينهار من الأعلى إلى الأسفل بحسب الشدة، لكن الأساسات التي شُيّد عليها محال أن تسقط معه إنما تصبح حاملًا حتى للركام الذي انهار على أمل إعادة البناء من جديد، ومن هذا المنطلق يأتي مفهوم التطهير في العمل، وقبله التطهير في العقيدة، حيث يجب على المؤمن بالله أولًا أن يكفر بالمعتقدات التي هو عليها ثم يؤمن بالله الواحد الأحد، لقوله تعالى: ” فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ” (البقرة: 256)، والطاغوت هنا كل ما يعبد من دون الله كما قال السمعاني في تفسيره وتبعه غيره من المفسرين.
لمتابعة كل جديد اشترك في قناة صحيفة حبر على تلغرام اضغط هنا
إذًا التخلص من الاعتقاد السابق هو شرط مُقدَّم على الإيمان، وكذلك التطهير في العمل الذي نحن بصدد الحديث عنه، ومعناه أن يتخلص الإنسان من الأعمال التي تؤدي إلى الشر ليبدأ ويؤسس في بناء الخير، والسبب في ذلك أن من يبدأ بالخير دون أن يتطهر من الشر في المجال الذي يبتغيه يبقى الشر يعمل على منع العبد من منفعة الخير الذي يعمله سواء كانت تلك المنفعة دينية أو دنيوية، وكل الأعمال بالنهاية تفضي على الله سبحانه وتعالى، وهنا تأتي أهمية ترك الشر أولاً ثم البدء بالخير.
أما لماذا تبدأ النفس في الطاعات أولاً قبل ترك المعصية؟ فهذا مردّه إلى أمراض النفس، والمرض هنا صعوبة ترك المعصية، فالنفس تذهب بصاحبها إلى الخير استسهالًا منها على ترك المعصية والتطهر منها.
إن معرفَة آفات العمل تكون قبله لا بعده، ومثله معرفة الطريق قبل سلوكه، أما حاجة الإنسان لمعرفة نفسه وهواها فهو أَشد؛ ومردُّ ذلك إلى أمر جد مهم وهو أن الإنسان ليس ملزمًا بأن يؤدي كل أعمال الخير، لكن مطلوب منه النهي عن كل الأعمال التي تؤدي إلى الشر، وبناءً عليه فإن كل خير ليس لازم للإنسان إنما كل شر لازم له، لأن من ترك الشر وقع بالخير، ولا ننسى أنه ليس كل من يفعل الخيرات هو أهل لها.
والخلاصة أن العمل بالخير يستوجب التطهير أولًا، أي معرفة الإنسان للشر الذي من خلاله يعرف الشر والخير معًا، ومعرفة العبد للخير فقط لا تفضي إلى معرفته الشر؛ أما من يميز الخير من الشر ويعتزل الشر يبقى عنده الخير فقط صافيًا مطهرًا، أما الاقتصار على معرفة الخير فقط ربما لا يستطيع الإنسان به تمييز ما يحتويه من شر وآفات تفسده تمامًا كمن يتصدق ولا يعرف أن الرياء حرام، لأن الشر في العمل شر خالص، والخير بالعمل يشوبه الشر.