كنت في محل لبيع الأجهزة الالكترونية وكان البائع يتفنن في أن يشرح الفرق بين الأجهزة في سرعة معالجتها وسعة ذاكرتها وقوة أنظمة تشغيلها وبعد أن انتهى كان الناس حوله يريدون منه إعادة ما ذكره فأخذ نفساً عميقاً وانشغل عنهم بأمر آخر ليترك لزميله المجال فأعاد لهم المعلومات ذاتها.
في الخارج كان عامل القهوة قد تأخر قليلاً عن إحضار الطلب للزبون فانفجر به صارخاً وموبخاً ولم يعطه الحساب، بعد قليل كانت امرأة تهدد الموظفة التي تمسك الأطفال عن الخروج من اللعبة بأنها ستشكو إهمالها للإدارة وهي لا تدري أن طفلها كان السبب في إيقاع طفل آخر وجرحه فلم تسمح لنفسها أن تسمع ولا للموظفة أن تنطق بكلمة.
شركة وتد توقف عملها في إدلب.. ما البديل؟
أصبحت الأجهزة تتحدث يا سادة وأصبح الحديث مع الجماد أجمل وأمتع من الحديث وجها لوجه فهناك الفلاتر التي تظهر الابتسامة الوردية وتخفي عيوب الوجوه العابسة والقلوب الضيقة وهناك خيار القص واللصق والمونتاج وتجميل الظاهر والتلميع الذي لا حصر له بينما الحقيقة ناطقة بقبح الباطن الذي يحتاج لفلترة القيم والتربية بعيدا عن حجم المتابعين.
لا يمكننا القول إن المعلومات المتدفقة لم تصل إلى ذهن ذوي الأخلاق السيئة فالمتكلم عن معاني الصبر والمصابرة أصبح كالذي خرج من عصر الإغريق وعليه غبار القدماء والمحدثين بينما في واقع الأمر فإن الحديث عن معان كهذه لا يتعلق بالكم من المعلومات وإنما بالتطبيق العملي لها والأخذ بها في مواقف الحياة.
لمتابعة كل جديد اشترك في قناة صحيفة حبر على تلغرام اضغط هنا
اليوم نحن بحاجة إلى من يعيد غرس هذا المبدأ مع تقلبات الحياة السريعة ورغبة الجميع في انهاء الأمور المستعصية في أسرع طريقة فقد تقلصت طاقة الاستيعاب إلى حد مخيف وازدادت معها سرعة الأجهزة والجمادات وتسهيلات الحياة الأخرى فأصبح الصبر على الناس قيمة لا ينظر إليها في ميزان الأخلاق لأن ذلك يعني البطء في ابداء الرأي أو ردة الفعل أو استخدام الحلول السريعة فيبدو الشخص الحليم كالمستفز بالنسبة للآخرين بينما هو شخص عرف أن الرفق واستخدام طاقة الصبر هي عنوان الناجحين في الحياة وأصحاب العلاقات المتينة وطريقة لبناء الثقة مع المحيطين