إسلام سليمان
في أحد الأيام، كنت أسترق السمع إلى حديث لطيف دار بين طفلين من عائلتي في السابعة من عمرهما، كانا يتحدثان عن محرك البحث جوجل، فيقول لها بحماس: أتعلمين؟ إن جوجل يعرف كل شيء في هذه الحياة، اعترضَتْ عليه باستنكار قائلة: يعرف كل شيء؟ لا، الله وحده يعرف كل شيء!
بعدها التفتا إليَّ متسائلين؛ هل حقًا جوجل يعرف كل شيء في هذه الحياة؟
كنت أستطيع أن أجيبهم بـ “لا” فقط وأغلق الموضوع، لكن عقل الأطفال يطرح تساؤلاً بعد آخر، وإن لم نجبهم بإجابة ترضي فضولهم، فلربما تتحول إلى أفكار وعقائد لا علاقة لها بديننا، لذا حاوت أن أبسط الأمر وأشرح لهم آلية عمل جوجل حتى يفهموا كيف أنه من صُنع الإنسان ولا يعلم كل شيء!
لمتابعة كل جديد اشترك في قناة صحيفة حبر على تلغرام اضغط هنا
أجبتهم: طبعًا جوجل لا يعرف كل شيء، تخيلوا أن لدينا موزة، وأنا صورت هذه الموزة وكتبت عن فوائدها، ونشرتها في الإنترنت في أحد المواقع، بعدها جاء أحدكما وصور موزة أخرى بوضعية مختلفة وكتب عنها شيئًا آخر، وصديق آخر لنا فعل الشيء نفسه بشكل مختلف، وهذه الصور الثلاث في الإنترنت، وهكذا عندما يريد أحدهم أن يعرف أكثر عن الموز، يكتب في جوجل كلمة موز فتظهر له الكتابات والصور التي قد تم نشرها من قِبَلِنا على مواقع أخرى، وبهذا الشكل جوجل هو مجرد أداة يجمع كل الكتابات والصور التي على الإنترنت عن الموز.
فنظرا إلى بعضهما البعض نظرة ارتياح كمن حلَّ لغزًا كبيرًا.
اقرأ أيضاً: صفقة محتملة بين بوتين وبايدن للإطاحة ببشار الأسد
هذا الموقف كغيره من المواقف بسيط جدًا في ظاهره، لكن إن لم تتم معالجته بالتوضيح العقلاني بما يناسب فهم السائل سواء أكان كبيرًا أم صغيرًا، فلربما يكون سببًا في نشوء عقائد وأفكار تشوش عليهم إيمانهم وعقيدتهم بالله وقدرته على المدى البعيد، كما حصل في الغرب وظهرت ديانة “الجوجليزم/عبدة جوجل”، وهو اعتقاد صدر عن بعض الملاحدة ومفاده أن محرك البحث جوجل إله ورب، لأنه يعرف كل شيء وموجود في كل مكان، وهو غير مادي فلا يُرى، وتعدّى الأمر لمعتنقي هذه الديانة بإنشاء “كنيسة جوجل” وعشر وصايا لمن يريد الانضمام لهذه الديانة الافتراضية! مثل هذه المخادعات النفسية تنتج عن الإيمان المزعزع الذي يبدأ في الغالب بشبهة صغيرة إلى أن ينتهي بإلحاد وشرك وعبادة الوهم!
ولا يخفى على أحد أننا في زمان أصبح فيه الإنترنت يحتل جزءًا كبيرًا من حياتنا، وبالتالي كَثُرت الفتن وازدادت الأفكار والعقائد التي تدعو للشك بأبسط المفاهيم الإسلامية، لذا علينا ألا نستهين بأي تساؤل يجول في بال الأطفال أو الكبار ونحاول توضيح تساؤلاتهم في إطار الدين والعلم.
ربما الواقع يدعو للتشاؤم والخوف مما ستؤول إليه حال أطفال المسلمين بسبب الانفتاح الإلكتروني الواسع، وتداخل المفاهيم وزيادة المشتتات، فأصبح لسان حالنا يردد: “ما هذا الجيل التافه؟! لن يخرج منه أي شيء مفيد.” إلى آخره من الجمل اليائسة والمحبطة، لكن لمَ لا نغير رؤيتنا للأمر نحن المسلمين؟! فكما قال الشيخ محمد الغزالي: “الفرق بين نظرة الإسلام والنظرة التشاؤمية، هو أن الإسلام ينظر للحياة كما ينبغي أن تكون، أما التشاؤم فإنه ينظر للحياة كما هي”.
فربما بفضل هذا الجيل (الذي لا يعجبنا) ينتشر الإسلام إلى بقاع العالم المختلفة عن طريقهم من خلال التكنولوجيا والإنترنت فيبلُغون بإسلامهم وعلمهم وعملهم ما لم نَبلُغه ونستطع عليه من وسائل نشر عقيدة الإسلام وتبليغ رسالات ربنا.
أعلم يقينًا أن التحدث بالأمر ليس كتطبيقه، لكني أزعم أننا إن اتخذنا بالأسباب لنربي الأطفال والشباب ونزكيهم ونعلمهم أُسس الدين وسنن الكون التي وضعها الله عز وجل لعباده في هذه الدنيا، فسيخرج الله منهم جيلاً مسلمًا مخلصًا صالحًا ومصلحًا يحبهم ويحبونه، لأن ليس للإنسان إلا ما سعى واجتهد في سبيله، ولا ننسى المبدأ الذي علمنا إياه الرسول عليه الصلاة والسلام: “من خاف أدلج، ومن أدلج بلغ المنزل، ألا إن سلعة الله غالية، ألا إن سلعة الله الجنة”.