في سبع مقالات سابقة كنت أتحدث عن الغزو الثقافي بأساليب مختلفة، وعن احتدام المواجهة في بعض الساحات التي نتركها خالية، أو تلك التي تشكل خواصر رخوة في مجتمع لا يتعامل معها حضاريًا كما يجب، إنما يكتفي بتطبيق بعض العادات البالية التي هي مزيج من التخلف والأخذ من الثقافة الغازية بعيدًا عن هويته الحقيقية وثقافته الأصيلة.
وإذا أردنا أن نتحدث عن مظاهر الغزو الثقافي أو المواجهة، فنستطيع كتابة عشرات المقالات القادمة، لأن هذه المظاهر منتشرة في الكثير من تفاصيل حياتنا، لكن المهم هنا أن نفكر ما هي الخطوة القادمة من أجل حماية أنفسنا ومجتمعنا من قيم وثقافة لا تشبهنا ابدًا، وتسعى للعودة بنا اجتماعيًا وإنسانيًا لنشبه الحيوانات أكثر ممَّا نشبه أنفسنا كبشر، ومن المهم جدًا هنا التركيز على لفظيّ (اجتماعيًا وانسانيًا)؛ لأن تلك الثقافة الغازية متقدمة جدًا في المجالات الأخرى وهي حضارة قوية جدًا، ونحن نريد اللحاق بها ما استطعنا إلى ذلك.
الخطوة القادمة ليست ضربة موجهة للعدو؛ لأنه مهما كان ضعيفًا في بنيتنا الاجتماعية، إلا أن الضربات التي يتلقاها تجعله أكثر ظهورًا وقوة، وتعطيه مساحات جديدة ليتحدث عن نفسه أثناء المواجهة، ومخاطبة الجماهير التي تأكلها الحرب من منابر جديدة تركز أكثر على حاجات هذه الجماهير من خلال مساحات إعلامية ومالية واسعة، وهذا يساعده بشكل كبير على الانتشار في بنية متعبة وغير واعية لهويتها وحضارتها وثقافتها بما يكفي.
الخطوة القادمة ستكون باتجاه أنفسنا، نريد أن نغرس السيف في صدورنا أولاً، لكي ننتزع تلك الأفكار المشوهة والهجينة عن ثقافتنا وحضارتنا وهويتنا وتراثنا العظيم، يجب أن نعيد تقديم هذه الهوية للناس بشكلها الحقيقي الناصع الذي يجعل منها مرجعية تستحق التضحية وتستحق الانتماء.
كما يجب أن نعالج تلك العوالق التي خلفها الاستبداد في سلوك الناس لجعلهم لا يشبهون أنفسهم حضاريًا، هذه المعالجة تتطلب إعادة إحياء الكثير من المفاهيم الاجتماعية بشجاعة واقتدار، وأهمها ما يتعلق بالمرأة والرجل والأسرة؛ لأن الأسرة هي حجر الأساس الذي يحمي تماسكُه ومركزيتُه في حضارتنا المجتمعَ برمته.
يجب ألَّا نشغل أنفسنا بردود الفعل، والمعارك الجانبية المؤقتة والثغرات تملأ عباءتنا التي نتدثر بها، عندها من السهل جدًا أن يتسرب إلينا العدو بثياب مبهرجة ستمنحنا متعة مؤقتة لكنها لن تمنحنا الدفء.
يحب أن تكون جميع الجهود حاليًا موجهة تجاه إصلاح المظالم الاجتماعية والإنسانية ضمن المنظومة التي ننتمي إليها، وفي الوقت نفسه يجب أن نعمل على تعرية المصطلحات الدخيلة، ووصفها بأوصافها الحقيقة المجرّدة، بعيدًا عن تلك الكلمات اللطيفة التي تُستخدم عادة، يجب أن يعرف الناس حقيقة ما يواجهونه ومآلاته، لكيلا تجذبهم المكافآت المؤقتة.
التوعية الداخلية والتعرية لأدوات العدو، دون أي اشتباك مباشر مهما كلّف الأمر، هذا ما نستطيع فعله في الخطوة القادمة.