السياسة الروسية الجديدة في الجنوب السوري

علي سندة

علي سندة

 

إن الأحداث الأخيرة في درعا البلد كان الخاسر الوحيد فيها هم الأهالي فقط، الذين تحولوا في لحظة تبدل للمواقف إلى فرق حساب بين المتصارعين على الساحة السورية، دون التقليل من نضالهم وثباتهم ورغبتهم بالبقاء في ديارهم حتى آخر لحظة، وما يؤيد ذلك خلاصة المشهد في درعا البلد، الذي انتهى الأسبوع الماضي باتفاق جديد بين لجنة التفاوض ونظام الأسد برعاية روسية، والسؤال الذي يفرض نفسه هنا: لمَ تأخر الضامن الروسي صاحب الاتفاق الأول سنة 2018 بالتدخل، وتحول أثناء المفاوضات الأخيرة إلى لغة التهديد ومشاركة نظام الأسد بالحصار والقصف مالم يرضخ الأهالي إلى الشروط ؟!

إن أساس اتفاق 2018 الذي رعته روسيا هو ضمانة الأخيرة الحد من وجود النظام وإيران في الجنوب السوري، لكن سياسة روسيا في الجنوب السوري تغيرت لاعتبارات إقليمية وصراع نفوذ مع إيران نفسها، وخلقت سياسة جديدة، وكان لزيارة ملك الأردن لروسيا يوم 23 آب الماضي، أي قبل الاتفاق الجديد بثمانية أيام، دور في الاتفاق الأخير مقابل توفير عمّان المساعدة الاقتصادية المناسبة للمناطق التي عادت رسميًا إلى سيطرة نظام الأسد، فضلًا عن أبعاد خط الغاز العربي ومروره عبر سورية.

المسلط: نواجه سؤالاً هل نحن نمثل السوريين أم نشغل أماكن لا نستحقها؟

إن تنامي الدور الإيراني بالجنوب السوري عبر الفرقة الرابعة بقيادة ماهر الأسد، وتصعيد النظام بدرعا وإدلب ورغبته بإعادة السيطرة على كامل سورية دون أي حسابات للموقف الإقليمي ودول الجوار، أدى إلى الضغط على روسيا دون مراعاة للاشتباك الروسي مع تركيا لا سيما وجود اتفاق بينهما في إدلب، وهذا الأمر جعل روسيا بموقع الموافق على التمدد الإيراني بدرعا، وهذا سبب مهم لتبدل سياسية روسيا تجاه أهالي درعا، فضلًا عن رسالة نظام الأسد لها، في حال تخلت عن دعمه باستعادة كامل سورية فإن الجانب الإيراني مستمر بدعمه.

لمتابعة كل جديد اشترك في قناة صحيفة حبر على تلغرام اضغط هنا 

وبالنظر إلى موقف روسيا من الحكومة الإسرائيلية الجديدة وعلاقتها معها حيال الوجود الإيراني في درعا وتمدده، فإنها غير مستعدة لتغامر بعلاقتها مع إسرائيل كُرمةً لإيران، ولأجل ذلك تدخلت موسكو بنهاية المشهد وكانت راعيةً للحل، لكن في الوقت نفسه بإمكانها عبر اللواء الثامن الذي شكلته من عناصر المصالحات ويتبع للفيلق الخامس، أن تقلب الطاولة على رأس إيران ونظام الأسد وتُعيد التوتر في حال اشتكت إسرائيل من التمدد وتجاوزت إيران حدودها، وإذا لم تتمكن روسيا من مجابهة تمدد طهران بالجنوب السوري، حتمًا ستزيد هجمات الكيان الإسرائيلي على مواقع ميلشيات إيران بالجنوب، وهذا ما لا تريده موسكو في علاقتها الجديدة مع الحكومة الإسرائيلية الحالية، كونها موضع ثقة سابقة مع حكومة نتنياهو السابقة وحارسًا أمينًا لحدود إسرائيل.

إن السياسية الروسية في الجنوب السوري كانت منذ البداية لها وضع خاص نظرًا للموقف الإقليمي الذي يستدعي طمأنة دول الجوار، لاسيما مسألة النزوح الجماعي في حال التصعيد العسكري، لذلك كان حل المصالحات في إجبار الفصائل على تسليم سلاحها وتدجينها في سبيل البقاء بأرضها حل مُرضٍ للجميع.

ويبقى تبدل المواقف السياسية حاضرًا في المشهد السوري، وسيكون لأهالي درعا وكلمتهم الموحدة دور في إفشال مخططات ترنو إليها موسكو وإيران وقوات النظام مستقبلًا، إذ إن لنجاح الاتفاقية الحالية التي أُبرمت بين لجنة التفاوض يوم 31 آب وبين نظام الأسد برعاية روسيا بُعدٌ في إسقاط باقي مناطق حوران وإعادة سيطرة نظام الأسد عليها، ودرعا البلد هي البداية.

إيرانالنظام السوريدرعاروسياصحيفة حبرعلي سندةمدينة درعا