ما بين الفقر والنزوح والمرض وعدم قدرة غالبية الناس على الذهاب إلى المستشفيات الخاصة أو العيادات الخاصة بسبب تكلفتها الباهظة، إذ وصلت أجرة معاينة الطبيب في عيادته الخاصة إلى ثلاثة دولارات، وكلفة الليلة الواحدة في المشافي الخاصة ما يقارب مئة وخمسين دولارًا، كان لوجود المشافي المجانية في الشمال السوري المحرر سبيل لمساعدة عدد كبير من السكان، لا سيما مستشفيات النسائية والأطفال.
وبسبب شكاوى بعض المرضى من سوء المعاملة وقلة الرعاية كونها مشافي مجانية، ويتم تحويل حالات إلى تركيا نسبة كبيرة منها يفقد الأهالي الأمل ويعرفون أنها متوفاة، فهل السبب عدم كفاءة الكادر الطبي؟ أم الإهمال الطبي؟ أم ظاهرة انتشار الشهادات الطبية المزورة؟
وللحديث أكثر عن هذا الموضوع زرنا “مشفى الأمومة بقاح ” والتقينا المدير الإداري الدكتور (محمد سكر) الذي بدوره حدثنا عن تأسيس المشفى والداعم الأساسي له والخدمات التي يقدمها، حيث قال: “تأسس مشفى الأمومة منذ أكثر من خمس سنوات من قبل منظمة “SAMS” وكان له دور كبير في تقديم الخدمات الطبية في المناطق الجنوبية، وبسبب الحملات الممنهجة من قبل قوات النظام وسيطرتها على المنطقة الجنوبية تم نقل المشفى إلى بلدة (قاح) في الشمال السوري المحرر”
وأضاف (سكر): “قدمنا العديد من الخدمات والمساعدات سواء على الصعيد الصحي والنفسي ونفعل ما بوسعنا لمساعدة المرضى، ولدينا أقسام متعددة منها الخدمات النسائية (عمليات قيصرية- طبيعية – عيادات نسائية) وخدمات أطفال وخدمات صحية نفسية كـتقديم الدعم النفسي ورعاية ما بعد الحمل والصحة الإنجابية والمجتمعية، بالإضافة إلى وجود صيدلية ومخبر تحاليل، إذ وصل عدد المستفيدين شهريًا إلى 600 ألف مستفيد، أما بعد أزمة انتشار كورونا وسرعة انتشارها في المحرر فقد قل عدد المستفيدين إلى 400 ألف بسبب تدابير الوقاية والتباعد الاجتماعي.”
أما بالنسبة إلى الشهادات المزورة نوه (سكر) قائلاً: “واجهنا الكثير من حالات تزوير الشهادات في المجال الطبي سواء صيدلة أو قبالة أو تمريض أو طب، هذا الشيء من وجهة نظري الشخصية إجرام (مجرمون بأقنعة بيضاء)، إذ إن مهنة الطب مهنة إنسانية وتزوير شهادة بها عمل غير إنساني ويلحق الضرر بالكثير من الناس
ويعرض صاحبها للمحاسبة القانونية والفصل المباشر من الوظيفة.”
وفيما يخص عمل القابلات من غير شهادة، تقول الطبيبة النسائية (إيمان العثمان): “انتشر عمل القابلات من غير شهادة بكثرة، لكن الطب في حداثة وبروتوكولات جديدة، مثلاً القابلة أو (الداي) التي اكتسبت خبرتها من جدتها أو جارتها تختلف اختلافًا كبيرًا بينها وبين قابلة حاصلة على شهادة جامعية وتمشي على بروتوكولات عالمية، وبسبب كثرة هذا الأمر شددت وزارة الصحة على هذا الأمر، وأي طلب توظيف في المجال الطبي تتم مراجعته من قبل مديرية الصحة ويتم البحث والاستفسار عنه إذا كانت الشهادة مزورة أم لا، وأغلب المرضى أو الأكثرية هم من طبقة فقيرة يحتاجون علاجًا ودعمًا.”
وتؤكد (العثمان): “نفعل ما بوسعنا لمساعدة ومعالجة جميع المرضى لكي لا يتم تحويلهم إلى مشافي خاصة بسبب تكلفتها الباهظة، ونادراً ما يتم تحويل حالات نسائية إلى تركيا، والحالات التي تحول هي حالات حرجة جدًا وعالية الخطورة، مثلاً مريضة مشيمة مركزية دخلت في نزف صاعق نحاول تقديم المساعدة لها بكافة الوسائل، وأحيانًا إذا احتاجت دمًا طازجًا نحن كادر المشفى نقوم بالتبرع لها، وبالرغم من كل محاولات العلاج والمساعدة تدخل المريضة في حالة”DIC” تخثر منتشر، هنا يتم تحويلها إلى تركيا بسبب واقع القطاع الصحي، وليس الأمر تقصيرًا من الكادر أو نقصًا في الخدمة أو إهمالًا طبيًا، وهذا ما نسميه في الطب الاختلاط الطبي وليس الخطأ، والعوام يختلف عليهم الأمر ما بين الخطأ والاختلاط، ويلقون اللوم على كادر المشفى.”
وأضافت الدكتورة (العثمان) سببًا آخر يتعلق بتحويل المريضات إلى تركيا أوضحته بقولها: “ولا يخفى أن هناك نقص في الأدوية بشكل عام في المحرر، إذ إن الأدوية المتوفرة فقط مسكنات ومضادات التهاب وفيتامينات، ومع هذا النقص نحاول ونسعى إلى تقديم جميع الخدمات إلى النساء ومعالجتها دون الحاجة إلى التحويل إلى مشافي خاصة أو تركيا”.
المريضة (رشا) إحدى النساء اللواتي تعرضنَ لخطأ طبي في أحد المشافي النسائية، تصف ما مرَّت به مُوضحةً: “عانيت من ألم في البطن، وعند الكشف في أحد المشافي المجانية (دون ذكر اسم المشفى)، قالوا لي إن مرضي هو زائدة دودية وبحاجة استئصال، وبعد العملية بفترة قصيرة كشفت عند طبيبة نسائية عن سبب تأخر الحمل لأكتشف عدم وجود مبايض عندي، وأنه تمت إزالتها في عملية جراحية.”
وأضافت (رشا) عند مراجعة المشفى والطبيب الذي أجرى العملية أنكر ذلك، فقمت بتقديم شكوى للمحكمة ولم أحصل على أي نتيجة، وبعدها سلمت أمري لله وشكوتهم لله وحده.”
وتبقى المشافي المجاني ملاذًا لمعظم سكان الشمال السوري، إلا أن امتهان مهنة الطب والصيدلة بشهادات مزورة ودورات قصيرة أدى إلى حدوث أخطاء طبية قاتلة، وهذه رسالة إلى الجهات الطبية المختصة لضبط تلك الحالات واستبعادها من القطاع الصحي لأن أرواح الناس ليست لعبة.