الغزو الروسي.. ميادين عديدة وذرائع متشابهة

غسان الجمعة

يشدد بوتين في كل خطاباته حول أوكرانيا على أنها ليست مجرد دولة مجاورة لروسيا، بل هي جزء لا يتجزأ من التاريخ الروسي بما يحمله من الروابط العرقية والاجتماعية والثقافية، لا سيما أنها تُعرَف بكتب التاريخ باسم (روسيا الصغرى) أو (روس كييف) التي شكلت مع موسكو الكبرى نواة الإمبراطورية الروسية التي أعلنها بطرس الأكبر في العام 1721.

اليوم يحاول بوتين السيطرة على أوكرانيا لأسباب عديدة ليست فقط تاريخية أو ثقافية، إذ إن هناك بواعث ودوافع أخرى، والتدخل في سورية وليبيا وكرباخ وجورجيا وغيرها هي في غايتها ومقاصدها دائماً ما كانت تداعب أحلام القياصرة الروس وطموحاتهم التي تعدُّ مصدر إلهام لسياسة بوتين الخارجية كذلك.

فالحامل المشترك للغزو الروسي لأوكرانيا والتدخل في سورية وغيرها نابع من إيمان بوتين بضرورة استعادة الإرث الإمبراطوري لروسيا كدولة عظمى، فالفضاء المعنوي و المادي الذي فقده الاتحاد السوفيتي  هو تطور للإمبراطورية الروسية العظمى عبر التاريخ، ولا يعني فشل النظام السياسي السوفيتي في المحافظة على السمعة الروسية أنها اندثرت إلى الأبد وهدف بوتين اليوم هو أحياء روسيا العظمى.

الاغتيالات تعصف بدير الزور بعد إعلان داعش غزوة الثأر

من جهة أخرى فإن العقدة التاريخية لروسيا، وهي فتح ممرات دائمة للمياه الدافئة، تشكل هاجسًا للزعماء الروس، وكذلك تحويل البحر الأسود لبحيرة روسية للوصول للمتوسط هو عامل مشترك لتحرك بوتين في أوكرانيا اليوم ومن قبله في سورية وليبيا، وسيطرة بوتين على القرم وتركيزه على الساحل الشرقي لأوكرانيا المطل على البحر الأسود لا يخرج عن هذا المفهوم، فهو بالنهاية يكسب سواحل أطول ويُبعد لاعبًا من المنافسة على النفوذ في هذا البحر الذي تعدُّ تركيا المنافس التقليدي على أمواجه.

لذلك فإن قاعدة طرطوس البحرية التي هي العين الروسية على المتوسط لا تقل أهمية عن ميناء سيفاستوبول في جزيرة القرم والمحافظة عليها هي أحد الأسباب التي دفعت بالروس لحماية النظام السوري والمحافظة على وضع الميناء ومزايا روسيا فيه.

لمتابعة كل جديد اشترك في قناة صحيفة حبر على تلغرام اضغط هناِ

أما اعتبارات الطاقة وخطوط إمدادها فهي تكاد لا تختلف في الحالتين الأوكرانية والسورية، فالغاز في شبه جزيرة القرم شجع بوتين على قضمها وضمها لروسيا، وكذلك الأمر الاحتياطات الهائلة من الغاز التي تم اكتشافها قبالة السواحل السورية، والتي استحوذت عليها روسيا بعقود التنقيب لسنوات طويلة ساهمت في تعزيز الروس لنفوذهم ودعمهم للنظام السوري.

وتعدُّ أوكرانيا حتى في لحظات الحرب اليوم الشريان الذي تتغذى منه أوربة على الغاز الروسي، فهي عقدة مهمة بموقعها الاستراتيجي لخطوط الطاقة التي تعبر أراضيها، والأمر نفسه بالنسبة إلى سورية التي تتميز بموقع جغرافي يجعلها نافذة الشرق على الدول الغربية، لا سيما وأن خططًا وُضعت ومشاريع دُرست لإيصال النفط والغاز الخليجي عبر أنابيب تعبر سورية للأسواق الأوربية، غير أن روسيا بددت هذه الطموحات بتدخلها وتعقيدها المشهد السوري لتبقى لها اليد العليا في أسواق الطاقة وخطوط إمدادها.

في حين يبقى المحرك الأساس لخطوات بوتين على الخريطة العالمية هو تتبع الناتو ومواجهته كونه الخصم التقليدي لروسيا، وتسوّق روسيا علنًا أحد أسباب غزوها لأوكرانيا هو محاولة الأخيرة الانضمام للناتو وتحولها لقاعدة هجوم متاخمة لروسيا، إلا أن بوتين في سورية على خلاف الحالة الأوكرانية، فقد اتخذ جبهة متقدمة بثقله العسكري على حدود الناتو الجنوبية كون تركيا من أعضاء الحلف.

أما الوضع الداخلي لبوتين فهو لا يختلف كثيرًا عن سياسة معظم الديكتاتوريين عبر التاريخ الذين يشغلون الرأي العام الداخلي بالعدو الخارجي والتهديد الوجودي لتبرير سياساتهم وبقائهم في السلطة، فكانت الحرب على الإرهاب ذريعة الانخراط إلى جانب الأسد للسيطرة على مقدرات سورية وثرواتها، كما هي اليوم ذريعة بوتين في غزوه لأوكرانيا بحجة وجود نازيين متطرفين يهددون المصالح والدولة الروسية.

روسيا اليوم تواجه مأزقًا حقيقيًا في غزوها لأوكرانيا، فهل ينتج عنه سقوط لسياسة بوتين على الساحة الدولية مستقبلاً؟ أو ربما نشهد تغييرًا في سياسة روسيا الهجومية التقليدية قد تفرضها حالة الحصار والضغط على جملة الدوافع والأولويات السابقة التي تحرك السياسة الخارجية الروسية؟!

أوكرانياالخارجية الروسيةبوتينتركياروسياروسيا أوكرانياسورياسوريةسياسة بوتينغسان الجمعةليبيا