هذا العنوان ربَّما من العناوين القليلة التي استمتعتُ بقراءتها من ضمن مقرراتي الجامعية، كان جزءًا من مادة النقد العربي الحديث والمعاصر في السنة الرابعة، إذ نادرٌ هو الاستمتاع بمناهجنا التعليمية، لا أدري لِمَ يختارون لنا مناهج مملة نتجرعها ولا نكاد نسيغها؟! وبمناسبة النقد أيضًا لا أدري لِمَ لا يحبّ معظمنا أن ينقدنا أحد في أقوالنا أو أفعالنا، وخاصّة إذا كان نقده بنّاءً وموضوعيًّا؛ فهذا النوع من النقد بحقيقته ينطوي على خير عظيم، فهو يصلح الخلل ويسهم في التطور والنضوج. وقد أُثِر عن سيّدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه قوله: “رحم الله امرأً أهدى إليّ عيوبي”.
وإذا عدنا إلى العنوان فإنّ كلمة (الآخر) فيه يصلح معناها بفتح الخاء وكسرها، فالكاتب فعلًا يكتب للآخرين، للقرّاء ومتذوقي الحروف والمعاني، وهو كذلك عليه أن يصل بتجربته الإبداعية إلى آخرها، فيثابر ويصبر على حروفه حتى تنمو وتزهر ويعانق فرعها السماء كلما تقادم عهدها.
لغة المصالح وأبجدية الأزمات بين الدول
إنَّ ما جعل هذا العنوان يقفز إلى مخيلتي بعد سنواتٍ طوال هو هذا (الآخَر) الذي يكتب له الكتاب، فماذا لو أدركنا أنّ هذا الآخر الذي يقرأ نادرٌ في واقعنا كالجواهر التي تنام بسلامٍ هناك في أعماق الأصداف؟ لمن يكتب الكاتب حينها؟ وماذا لو عرفنا أيضًا أنّ هذا الآخر القارئ على ندرته يجب أن يكون مؤهّلًا للقراءةِ ومحبًا لها أيضًا؟
وأين نجد هكذا قارئ بين أضلعنا؟!
طبعًا للأمانة أنا لستُ من أولئك القارئين، لكني أتبع مبدأ أن النصح لا يشترط الصلاحَ التّام، فلو كان الصلاح شرطًا لما نصح أحدٌ أحدًا.
لمن يكتب الكاتبون إذًا وترهقهم الحروف ليشكلوا معانٍ تبقى حبيسة الأوراق أو الشرائح الإلكترونية؟
تخيل نفسك عزيزي الكاتب في جزيرة نائية تشبه الجزر التي في قصص الأطفال، فهي جميلة جدًا بأشجارها وأنهارها وجبالها وسهولها وحيواناتها البديعة، كل شيءٍ فيها يلهمك أن تكتب، تشعر أن روحك طفحت بالمعاني حتى كادت تنسكب سكبًا، لكن ثمة مشكلة واحدة أنك ستكتب لنفسك فحسب، فلا أحد هنا إلا أنت.
لمتابعة كل جديد اشترك في قناة صحيفة حبر على تلغرام اضغط هنا
هل حقًا ستكتب حينها؟ أم ستختنق المعاني في روحك وتموت؟ نحن بحاجة إذًا إلى قرّاء أكثر بكثير من حاجتنا إلى الكتاب، علينا إذًا أن نتعلم أن نقرأ أوّلًا ثم نعلّم أهلينا وعشيرتنا الأقربين، ثم نسعى أن نعلم الجيل الجديد أن يقرأ كلّ من موقعه.
كلنا يعرف أن أول أمرٕ أنزله تعالى على نبيه العظيم صلى الله عليه وسلم (اقرأ)، نعم اقرأ، ثم جاء بعد اقرأ كلُ خير، فقال تعالى (قُم فأنذر)، وقال: (فصلّ لربك وانحر)، وقال جل شأنه: (قم الليلَ إلا قليلًا)، وهكذا جاءت التوجيهات الإلهية البديعة كلها بعد اقرأ.
الله سبحانه وتعالى يأمرنا أن نقرأ ويوجهنا إلى أن نختار ما نقرأ؛ (اقرأ باسم ربك الذي خلق) فليس كلّ كتابٍ يُقرأ؛ فالقراءة الواعية المفيدة هي بوابة كل خير وكل عمل صالح.
لقد آن الأوان أن نقرأ ونعلم الناس أن يقرؤوا باسم ربهم الذي خلق.