المحتوى المقدَّم للطفل العربي.. من المسؤول؟

ريم سريول

 

 

الفضائيات المخصصة للأطفال اليوم رغم أنها كثيرة جدًا، إلا أن همها الأول لم يعد الطفل نفسه، بل الصعود السريع والربح التجاري، لذا صارت تقدّم للطفل بصورة سطحية جدًا ولا تكلف نفسها بإنتاج شيء يُنمي القيم المجتمعية الخاصة بنا ببيئتنا العربية التي لها أخلاقها، ولا تساهم بتسهيل وترسيخ عملية التربية عدا عن كونها تعكس وترسخ قيم مجتمعات لا تمت لما نعيشه بصلة، و تتسبب بهشاشة ما يزرعه الأهل و المحيط من قيم، إذ صار جلّ تركيز برامج الأطفال اليوم على الترفيه السطحي والمسابقات والألعاب الفارغة من أي مغزى أو مضمون.

هذا الضخ الكبير للمحتوى اللمّاع من الخارج والفارغ من أي فائدة فعلية مقدّمة للطفل يشكل عقبة في طريق صناع المحتوى المدروس الموجّه للأطفال، حيث يتم التعامل مع هذه البرامج على أنها مكملات لا أساسيات، متجاهلين أن الطفل يتعلم بالمحاكاة والتقليد أكثر من غيرها، وعندما يخلو المجتمع والبيئة القريبة من الطفل من القدوة الجيدة واللماعة التي تؤثر به جيدًا، نراه بدأ يقتدي بشخصيات كارتونية خياليّة، وهنا يأتي دور المنتجين والمستوردين في طرح البرامج وتقييد محتواها ونوعيتها قبل أن تعرض على المنصات والتلفاز في تغيير المفاهيم وتصبح التربية لا تعدو كونها تعليمات نظرية وكلامًا مُقالاً والتأثير الأكبر للمحتوى الذي يقضي الطفل جلّ يومه متسمرًا أمامه بينما تقوم أمه بأعمال المنزل أو ينام والده ساعة بسلام !

(أُبَيّ سكر) وهو من المخضرمين في هذا المجال بين سبيستون طفولتنا سابقًا و قناة (كرزة) اليوم، يقول عن الشح في الإنتاج المخصص للطفل العربي : “هذا الشح راجع إلى صعوبة الإنتاج كونه باهظ التكاليف وغير مربح، فهو لا يعود بالأرباح  على المنتجين، وذلك ما يدفعهم لشراء عمل مسبق الإنتاج، والقيام بدبلجته إلى العربية، فتكون التكلفة محصورة بين شراء حقوق العمل من الشركة المنتجة، وإعادة دمج الأصوات بالعربية،  وعادة ما تبيع الشركة المنتجة للأعمال هذه الحقوق بأسعار زهيدة مقارنة بتكلفة إنتاج عمل جديد، ويتم نشره بين خمسين إلى مئة جهة.

والرسوم المتحركة في العالم العربي لا تصنف من الصناعات كونها لا تملك ضوابط ومحددات، وليس هناك جهات معنية تهتم بها، فكلٌّ يعمل حسب أهدافه ويكون هذا الأمر بالنسبة إليه مشروعًا خاصًا يقوم هو نفسه بتمويله وتغطية نفقاته كاملةً، و هذا ما يجعلها مجهودات مبعثرة و مكلفة جدًا، لذا أكثر من 90% من المنتجين للكارتون العربي يقومون بصناعته لأهداف إما قيمية أو إنسانية أو أخلاقية أو دينية غير ربحية؛ لأنه من الصعب إقناع مستثمر بدفع آلاف الدولارات في مشروع لن يكون مربحًا مقارنة مع بقية الفرص للاستثمار إلا إذا كان هدفه من الأصل غير ربحيّ “.

محتوى فارغ يقدّم للطفل:

وعن خواء المحتوى المقدّم للطفل العربي اليوم من المغزى والعبرة يقول أُبيّ: “من الواضح أن هناك توجهًا عالميًا ليكون كل شيءٍ كالسلع التجارية بما فيها الرسوم المتحركة، التي سابقًا كانت تركز على الهدف والمتعة المقدمين للطفل، أما اليوم يكاد يخلو هذا الفضاء من عمل تم إنتاجه لمجرد قصته و مغزاه، فالأنمي والكارتون اليوم أصبح له مقاصد تجارية، بحيث يتم طرح منتجات لهذا العمل في الأسواق، وهذا ما جعل أرباح شركات الإنتاج غير مقتصرة على أرباح العمل الكارتوني نفسه بقدر الأرباح المعتمدة على ترويج ألعاب وسلع متعلقة بالبرنامج كالبوكيمون وبي بليد وغيرها، ممّا يمكن الشركة من طرح منتجات تعتمد على تجميع الشخصيات أو البطاقات أو المجسمات وما إلى ذلك، ممَّا يجعل الكرتون علامة تجارية لتسويق هذه المنتجات، وهذا التوجه أصبح عالميًا اليوم وترك تأثيرًا على ما يتم استيراده ودبلجته للأطفال كونه هو المتوفر حاليًا ولا بديل عنه، وهذا ما غيّر النظرة للأنمي والكرتون من أعمال تربوية وخلّاقة وهادفة إلى مشاريع تجاريّة بحتة تضع نسبة الأرباح في أولى أولوياتها مقابل الاهتمام الحقيقيّ بالمحتوى.

وقد أثّر تراجع الاهتمام بالمحتوى المقدّم للطفل على لغته وسلوكه وتفكيره، خاصة في ظل توجه الأعمال إلى العنف بشكل كبير، ولذلك صرنا نلاحظ سلوكيات عدوانية متزايدة لدى الأطفال والصخب في العمل من حيث التقطيع السريع لكوادر المَشَاهِد والموسيقا الصاخبة جدًا جميعها تؤثر في كيفية تلقي الطفل للمحتوى وتخزينه في ذاكرته وتحليله وتؤثر أيضًا على تركيزه بسبب التشتيت والعنف الذي يراه يوميًا وهناك وثائق ودراسات تثبت هذه الأمر”.

استيراد برامج خبيثة:

و يقول أبيّ عن الاستيراد للبرامج الأجنبية : ” ليس استيرادًا عشوائيًا بقدر ما هو اتباع للشيء الرائج والأكثر انتشارًا اليوم هو غالبًا الأكثر رغبة من قبل المشاهد، و معايير الرواج اليوم تختلف اختلافًا تامًا عن معايير الرواج من قبل، فاليوم أكثر عمل يلاقي الرواج هو العمل الذي يتم طرح منتجات له في الأسواق أكثر، و كما يقولون بالعاميّة: (ضارب ضربته)، فالمنافسة ليست بمن ينتج عملاً راقيًا، بل بمن يستورد عملاً رائجًا أكثر، فالمحطات العربية تكثر لا تقلّ، لكنها لا تتعدى كونها منصة استيراد للأعمال مسبقة الصنع ولا تنتج عملاً خاصًا بها مبدوءًا من الصفر .

وهذا الزخم والضخ الكبير جدًا لاستيراد الأعمال ودبلجتها والمنافسة على أوقات المشاهدين ومحاولة جذبهم أدى إلى تضخمٍ في هذا المجال لا بالكمّ بل بالمعنى القيميّ للكلمة”.

 

أدب الطفل المكتوب أفضل حالًا:

أما عن أدب الطفل فيبدو أن المصاب أخف وطأة، حيث تقول (نور الطباع) كاتبة في أدب الطفل: الأعمال ليست شحيحة، إلا في الفترة الأخيرة بسبب انتشار وباء كورونا، مما أدى إلى توقف طباعة كتب وقصص الأطفال كغيرها من المؤسسات، أما بالنسبة إلى خلوها من الفكرة والعبرة فهذا يلام به الكاتب الذي لا يطوّر نفسه والدار التي تنشر له دون انتباه، نحن نتعلم في كل يوم شيئًا جديدًا، فعالم الطفل بحر يجب الغوص فيه لجذبه وإخراج أجمل الأفكار وأفضل العبر ضمن سياق شائق جذاب، نقرأ ما يدور بعقل الطفل من خلال متابعته بحركاته وسكناته وخطراته، التماس المباشر معه يجعلنا أكثر قربًا للوصول إليه ولعالمه، ويساعدنا  في ذلك أكثر الطفل الذي بداخلنا إن تركنا له حرية التحليق بعالم الطفولة سيجود علينا بسحر هذا العالم ويأخذنا حيث يريد الطفل، فالطفل دائمًا ما تستهويه الأفكار الجديدة والغريبة ويستفزه الخيال، وينجذب لكل ما هو جديد ومتفرد، وحتى إن خفت بريق مؤسسات النشر الورقية، إلا أن هناك منصات ودور نشر إلكترونية بقيت مستمرة بعملها حتى في فترة أزمة الوباء “.

وترى نور أن عالم أدب الطفل في تطور مستمر طالما يظل الكُتّابُ مطلعين على تجارب الآخرين وينقدونها بشكل بنّاء ويختارون ما يناسب بيئتنا وأفكارنا، ففن القصة لم يعد للتسلية وحسب، بل صار يعالج مواضيع مهمة نفسية وسلوكية عند الطفل والناشئ على حد سواء، وصارت حاجة ملحة وضرورية للوصول بشكل آمن غير منفر لعقل الطفل وقلبه ليتطور بشكل مدروس وسليم.

أفلام كرتونالمحتوى المقدم للطفلبرامج الأطفالريم سريولسبيستونسوريامحتوى برامج الأطفال