عندما بدأت الثورة السورية أصبح الصراع فيها المحرك الرئيسي لسياسية الدول وإعادة تشكيل التوازنات، ومع تخلي الأمم المتحدة عن مساندة الشعب السوري في ثورته، كانت السياسة التركية في الملف السوري واضحة منذ أن أعلنت وقوفها الى جانب الثورة السورية واستقبال اللاجئين، وصولاً إلى مفاوضات استانا وخفض التصعيد ….
والخط الزمني كان واضحاً في سياسة تركيا الخارجية في التعامل مع الملف السوري من حيث ركائز ومبادئ السيادة والحفاظ على الأمن القومي ومحاربة الإرهاب والمطالبة بوحدة الأراضي السورية والحل السياسي بما تفتضيه القوانين الدولية. وكل سياسة دولة ما وتدخلها بمسألة خارجية معينة تكون لتلك السياسات تقاطعات مع او ضد مع مصالح دول ثانية متداخلة معها بذات المسالة وبما أن وزن تركيا معلوم لتلك الدول لم تعلن تلك الدول معارضة السياسة التركية في سوريا وتماشت معها على الرغم انها تنتظر الوقت المناسب لتحجيم الدور التركي في الملف السوري ضناً من تلك الدول ان الوقت الأنسب هو فترة الانتخابات التركية فحركت المعارضة التركية على اللاجئين السوريين وأعلنت المعارضة انها ستطبع و تصالح الأسد لإعادة اللاجئين السوريين وكان لهذا الطرح تأييد من بعض الأطراف العربية والإيرانية والغربية ولو بشكل غير معلن .
ولكن حنكة السياسيين الاتراك بقيادة الرئيس رجب طيب أردوغان وتكتيكه الذي سحب هذه الورقة من المعارضين وداعميهم وسايرت القوى المؤثرة في سوريا ونقصد بذلك الروسي والإيراني والذي طالما طالبوا بذلك من تركيا خلال القمم الثلاثية في طهران وموسكو . وأعلنت الحكومة التركية انها ستجري اجتماعات أمنية وعسكرية تليها اجتماعات على مستوى معاوني وزراء الخارجية ثم على مستوى وزراء الخارجية لتحديد موعد لقاء الرئيس التركي مع الأسد، والحدث قد حصل ونرى جلسات واجتماعات أمنية واجتماعات معاوني وزراء الخارجية واجتماعات رباعية . وهذا الإعلان من الجانب التركي انطلى على بعض الدول العربية نتيجة جهلها بالسياسية والحنكة التركية حيث بادرت تلك الدول على عجل بعملية التطبيع مع النظام لإفشال التقارب التركي مع الأسد وإحراج حزب العدالة والتنمية في الانتخابات. وهنا ظهر الأسد على حقيقته وبدء يتهرب من لقاء الرئيس التركي لأسباب كثيرة منها عدم قدرته على تلبية الشروط والمطالب التركية المحقة، وهو أيضاً غير قادر على تنفيذها أو حتى المماطلة لتمرير الوقت، وهو يعلم جيداً أن الموافقة على تلك الشروط سيجابه بموقف أمريكي حازم وجاد ضده وسيدفع الثمن جراء ذلك. وليس لدى الأسد أي مهرب سوى القبول بما تمليه عليه تركيا وسيقبل بالعرض ( فخ سياسي بامتياز) كما سيقوم الأسد بطرحه للاستثمار أيضاً. و بناء على سذاجة و غطرسة الأسد فقد لوّح الى عدد من الدول بانه سيكون سبب خسارة أردوغان للانتخابات إن لم يلتقي به، وصوّر الأمر لهم عن طريق أجهزته الأمنية و مخابراته بإن تلك الفرصة الذهبية لا يمكن التفريط بها للإطاحة بأردوغان وتركيا، وإمكانية استثمارها مقابل تطبيع تلك الدول مع النظام السوري وتقديم امتيازات سياسية ومادية خاصة لتقوم تلك الدول على أثرها بالانجراف وراء الأسد، ومن هنا أتى التأييد له من بعض الدول العربية و هرولت للتطبيع معه، وشاهدنا وسمعنا عن لقاءات وفتح سفارات ووعود ومغريات مقابل عدم لقاء أردوغان، كون تلك الدول لها مواقف من الحكومة التركية وتحاول الانتقام منها.
اليوم تحديداً أعلن الناطق باسم الرئاسة التركية أن الاجتماع الرباعي المقبل في موسكو سيعقد بعد الانتخابات الرئاسية التركية وأن أصدقائنا يعملون على تحديد تاريخ الاجتماع في موسكو . ويجب أن يستمر الاجتماع الرباعي من دون شروط مسبقة.
التصريحات الإعلامية مستمرة حتى نهاية الانتخابات وإعلان النتائج مما يؤكد دهاء السياسيين الأتراك وتمرير فترة الانتخابات، وبعدها لن يكون هناك تصالح مع الأسد، لكن ما هو موقف بعض الدول العربية التي سارعت للتطبيع مع النظام وتخلت عن مواقفها الإنسانية تجاه الشعب السوري مقابل احقاد ضد تركيا. فلو يعلمون أن تركيا ما بعد الانتخابات وحسم النتيجة لصالح حزب العدالة والتنمية ليست كما قبلها وعلى من طبّع مع الأسد التعلم من السياسة التركية وأن يلتحق بصفوف القائد أردوغان في تركيا لتعلم أصول العمل السياسي والحصول على شهادة مصدقة من تركيا أصولا.