المرأة السورية والنشاط السياسي

معتصم الخالدي

بعد حرب عمرها عشر سنوات شنها نظام الأسد على شعب طالب بالإصلاح والتغيير، استطاع ناشطون وناشطات تشكيل العديد من التجمعات والتشكيلات والهيئات السياسية والمجتمعية في مناطق المعارضات المختلفة والمتنوعة.

ولأن الحياة السياسية في ظل حكم ديكتاتوري هي حياة فقيرة وقد تكاد تكون معدومة، ولحاجة النشطاء والناشطات ممارسة السياسة والدخول في دهاليزها أكثر، كان تشكيل كيانات وهيئات سياسية أمرًا ملحًا وضروريًا، إذ كان للمرأة السورية نشاط ملحوظ في كافة المجالات التي تشكلت بعد الثورة، وخاصة مشاركتها وبزخم عالٍ في تشكيل التكتلات والتجمعات السياسية والمدنية.

ولعل أبرز المناطق التي تنتشر فيها تلك التجمعات والهيئات السياسية هي مناطق إدلب وريفها، ومناطق غصن الزيتون ودرع الفرات، التي تسيطر عليها الجيش الوطني.

ولتسليط الضوء أكثر على تلك التجمعات وعلى النشاط النسائي بالتحديد فيها التقت حبر بالسيدة (هدى سرجاوي) رئيسة تجمع المرأة وعضو اللجنة الدستورية عن المجتمع المدني، حيث قالت: “المرأة السّوريّة رغم أنّها مثقفةٌ وعاملةٌ ومتعلّمةٌ وفاعلة، لكنّها لم تكن في يومٍ من الأيام في موقع صنع القرار، ووضعها بعد الثّورة ليس بأفضل حالٍ، وقد تمّ إقصاؤها في كثيرٍ من الأحيان، واقتصر دورها على المشاركة في اللّجان والهيئات والمؤسّسات السّياسيّة المعارضة، ولم تكن في يومٍ من الأيام في دور القائد أو المسيّر لأيّ لجنةٍ أو هيئةٍ سياسيّةٍ في المعارضة السّوريّة، لكنها ماتزال مستمرة في نشر التوعية وتبيان الحقوق للمرأة وتعرية الصورة النمطية السائدة، بالنتيجة مشاركة النّساء في العمل السّياسيّ ما يزال ضعيفًا، ويجب العمل على زيادة هذه المشاركة وفعّاليّتها.”

اقرأ أيضاً: ماذا وراء التصعيد الروسي؟!

بينما للسيدة (نصرة الأعرج) المحامية والناشطة وعضو الهيئة السياسية عن محافظة إدلب رؤية أخرى لدور الناشطة السياسية، حيث أوضحت أن “الناشطة السياسية هي أدرى من غيرها بالواقع السياسي السوري المتسارع، هي تفهم الواقع السياسي وتعرف أبعاده وتذبذبات الساحة السياسية الداخلية والخارجية والدولية، وكذلك مدى تأثرنا بسياسات الدول المتدخلة والأطراف في الصراع السوري، وبالتالي تقع عليها مسؤوليات جسام أمام قضيتنا الثورية وأمام المجتمع الثوري الداخلي ونقل الوعي لكافة الشرائح وخاصة النساء منها بشكل موضوعي وبعيد عن الفوضى والشائعات والتحليلات السياسية المغرضة.”

لكن رغم مرور سنوات على دخول المرأة عالم السياسة، إلا أنها ماتزال بعيدة بعض الشيء عن تكوين القرار وفرض السياسات التي تراها مناسبة، ويذهب الكثيرون إلى القول بأن المرأة السورية ضعيفة في المجال السياسي وتفتقر إلى أدوات اللعبة السياسية، وبأن مرحلة الوعي السياسي النسائي السوري لم تنضج بعد.

وعليه هل استطاعت المرأة السورية الوصول إلى مرحلة الوعي السياسي؟

توجهنا بهذا السؤال إلى الناشطة والحقوقية السيدة (رابية الحرامي) وأجابت بالقول: “المرأة السورية خلال الثورة عملت على تطوير نفسها ولم ترضَ بأي دور نمطي، ودخلت الحراك السياسي من أوسع أبوابه، ودخلت في العملية التفاوضية، ودخلت في المجلس الاستشاري النسائي التابع للأمم المتحدة، ووعت أن عليها دخول تنظيمات لها حراك سياسي من خلاله تمارس النشاط السياسي الموجه والهادف، مما جعلها تدرك أن لا حل في سورية سوى عن طريق تدخل دولي عبر الأمم المتحدة.”

لمتابعة كل جديد اشترك في قناة صحيفة حبر على تلغرام اضغط هنا

وبالنسبة إلى السيدة (هدى سرجاوي) فكان لها رأي آخر، حيث رأت أن “وعي المرأة السياسي ازداد بشكل ملحوظ خلال سنوات الثورة، فبعد أن كانت مبعدة تمامًا عن الوعي والعمل السياسي أصبحت السياسة اليوم جزءًا من حياة الناس اليومية التي ينعكس أثرها على أساسياتهم، وباتوا منخرطين في الحديث عن السياسة وانعكاسها عليهم بشكل مباشر أو غير مباشر، وقد تكوَّن وعي المرأة السياسي إضافة إلى ذلك بسبب الندوات والورشات التي تقوم بها المنظمات باستمرار وبفعل الناشطين والناشطات الذين يعملون في التوعية، لكن ماتزال المرأة بحاجة المزيد من الوعي في المجال السياسي، فغالبًا الندوات والورشات تعيد استهداف الأشخاص ذاتهم والكثير من النساء مبعدون عنها.
والمرأة ترى الحل في عملية سياسية على أساس بيان جنيف والقرارات الدولية الخاصة بالشأن السوري، وبزوال النظام ومحاسبته، والوصول إلى دولة ديمقراطية يتمتع فيها الرجل والمرأة بالحقوق كاملة.”

تضيف المحامية (نصرة الأعرج) أن “المرأة السورية لم تقف موقف المتفرج رغم كل الصعوبات التي تعرضت لها خلال الثورة، بل انخرطت بالعمل السياسي ودخلت مجالات عدة بدءًا من مجالس محلية لمحافظة، إلى وزيرة بالحكومة، إلى مشاركة باللجنة الدستورية، إضافة إلى العمل على تشكيل كيانات تساهم في خلق نساء قياديات مؤهلات لدخول الحراك السياسي، كالمنصات السياسية النسائية والاتحاد النسائي وما شابه ذلك، إيمانًا منها بالحل التفاوضي للقضية السورية، ولن يكون هناك حل إلا عن طريق دولي وتدخل الأمم المتحدة.”

ما يزيد عن عشرين تجمعًا وهيئة سياسية موجودة في الشمال السوري وتنتشر بمختلف المناطق والمدن وتتوزع فيها، وغالبًا ما تلتقي تلك التجمعات والهيئات على أهداف محددة وواضحة، لكن بحسب الكثير من الشخصيات المستقلة بأن هذه الهيئات تفتقد ثقة الناس ومحبتهم، بالإضافة إلى عدم فعالية سياساتها وضعفها أمام سطوة الواقع وسرعة تبدل خرائط السيطرة والتموضع، فهل هذه الهيئات بالفعل عاجزة؟ وما هو تأثيرها؟ وإلى أي حد أعمالها ونشاطاتها ذات جدوى؟

تقول (رابية الحرامي): “نتيجة الوعي السياسي والحراك السياسي أصبح هناك حاجة ملحة لتنظيمات وتجمعات تمارس عبرها  السياسة وتوجهاتها، وتعكس إيمان شرائح  كثيرة تنضوي تحت الأهداف والأفكار ذاتها، مما أدى إلى ظهور هيئات سياسية وتجمعات سياسية لها الهدف ذاته ألا وهو تخليص سورية من النظام المستبد، وبناء سورية الجديدة المفعمة بروح الثورة التي قامت لها، ولا ننكر أن هذه الكيانات تتعرض للضغوطات والانتقادات والتخوين، إلا أنها حالة صحية، فكل جديد يُرفض أو يكون تحت المجهر والتشكيك، لكن لا يصح إلا الصحيح طالما لا تخرج عن مبادئ الثورة وثوابتها وتتزايد هذه التجمعات والهيئات السياسية.”

أما المحامية (نصرة الأعرج)، فكان لها موقف مدافع عن تشكيل الهيئات والتجمعات بالقول: “لا يستطيع أحد أن ينكر دور الهيئات السياسية في نشر الوعي السياسي وتهيئة البنية التحتية للحراك السياسي وكشف اللثام عن خفايا متطلبات ممارسة السياسة كالانتخابات مثلًا، فمعظمنا لم نكن نعرف كيف نمارس السياسة؛ لأنها كانت محتكرة ولا يخول لنا الدخول بها إلا صوريًا، هذه الهيئات عززت لدينا العمل السياسي وممارسته والنهوض بوعي المجتمع السياسي.”

تقول (هدى سرجاوي): ” لتجمعات السياسية لها دور في تنظيم المنضوين تحتها ومساحة لتدريب الناس على العمل السياسي ورفع الوعي وممارسة الديمقراطية من خلال الانتخابات التي تحصل فيها، وأحيانًا تتعرض هذه التجمعات لضغوط من سلطات الأمر الواقع، ولايزال عددها ليس كبيرًا، فالناس ينأون بأنفسهم عن العمل السياسي والتجمعات السياسية، ربما لا يرون جدوى منها في الوقت الحالي”.

لا شك بأن للمرأة السورية دور مؤثر سيدونه التاريخ بكل تفاصيله؛ لأثرها الواضح وبصمتها على مجريات الثورة والأحداث التي عصفت بسورية خلال عشر سنوات مضت، ويبقى للمرأة السورية حضور ووجود لافت في التجمعات والهيئات المحلية والأممية ولوكان حضورًا خافتًا وغير قوي، كما ترغب زيادة الوجوه النسائية الحريصة على العمل الجدي والمثمر.

 

المرأة السوريةسورياصحيفة حبرمشاركة المرأة السياسيةمعتصم الخالديمقالات حبر