تُعدُّ السياسة أحد أهم علوم الحياة؛ لأنها تخصُّ كل فئات المجتمع ومجالات نشاطه، الرجال والنساء وحتى الأطفال، الأسرة والعمل والتربية والمؤسسات، لتتسع فيما بعد في ميدانها الأهم وهو العمل السياسي والحكومي والوزارات حتى تبلغ ذروة هرم الدولة، وتنتقل لتشكل خريطة علاقات الدولة مع الدول الأخرى.
رغم كل تلك الأهمية فلا تحظى الإناث حتى اليوم في مجتمعاتنا بقدر كافٍ من التعليم والتثقيف السياسي، إذ نجدهنَّ غير مهتمات بمجريات الواقع من حولهنَّ، ولا يكترثنَ لمعرفة مجالات السياسة أو المشاركة بها، ولا يسعينَ للبحث عنها، ما يجعلهنَّ أقل اطلاعاً ومعرفةً في السياسة من الرجال. ويستبعدنَ عادة عن الحوارات والنقاشات السياسية، ما يجعلهنَّ محدودات المعرفة سياسياً. وبالرغم من تقدم المجتمعات العالمية، إلا أنّ الصورة النمطية لعمل المرأة في الميدان السياسي بقي كما هو غير موثوق وغير محبذ، وظلت القولبة الاجتماعية تعُطي الرجل تفوقاً في هذا المجال على حساب المرأة بغض النظر عن إمكانياتها الفكرية وقدرتها على استيعاب الأحداث من حولها.
الأسرة عادة أثناء تربية الفتاة لا تهتم بما هو خارج حدود البيت والمدرسة، والمجتمع كذلك، يقوم بتحجيم دور المرأة وكبت قدراتها ويدرجها تحت الفئة المستضعفة دوماً. مما يؤدي إلى عزوف النساء عن الخوض في غمار السياسة فلا ثقة في رأيهنَّ ولا في دورهنَّ المجتمعي، الصورة النمطية السائدة أنهنَّ خلقنَ ليربينَ أطفالهنَّ ويقمنَ بشؤون منزلهنَّ فحسب، وبذلك يخدمنَ المجتمع ويساهمنَ في نهضته! وعلى أكثر تقدير خلقن لبعض الأعمال التي تحتاج الصبر والدقة، وليس لتلك الأعمال المليئة بالصراعات والتجاذبات.
لا لأحد أن يزعم أنّ تركيبة المرأة الفطرية مجبولة على العاطفة والضعف، بينما الرجل عقلاني يغلب عليه التفكير بالمصالح بشكل أفضل ويستطيع التغلب على عواطفه. لا فرق بينهما من هذه الناحية، وكما أن السياسة لا تصلح لكل الرجال فهي لا تصلح لكل النساء، الأمر يرتبط فقط بالخبرة والمعرفة، وهناك نساء عبر التاريخ استطعنَ تدويخ عشرات الرجال في المحافل السياسية.
إن مفهوم ربط السياسة بجنس معين يجب أن يُلغى، فالسياسة بالأصل عمل تشاركي جماعي يحتاج الرجال والنساء جنباً إلى جنب، في المرحلة القادمة سيكون من الصعب ضمان حرية المرأة في بيئة سياسية وأمنية متوترة وغير منصفة، وهذا لن يكون مضراً بالنساء فحسب، وإنما سيُسبب إعاقة للمجتمع تمنعه من التطور والتقدم.