النرجسية بين المثقفين مرض عضال إلى أين؟!

د. براءة زيدان

مقدمة

بإمكانكم قراءة الدراسة كاملة عبر الضغط على صورة الغلاف

 

هناك قول لا بتاح حتب الحكيم المصري- الفرعوني الذي عاش في عصر الدولة القديمة في مصر” كان وزيرا للملك شبسس كارع (الشهير بايزيسي) أحد ملوك الأسرة الخامسة ٢٤٢٦ق.م- ٢٤١٩ق.م) حيث تغد نصوصه من أهم النصوص التي تتناول أدب الحكمة في العالم قائلا: “لا تكن مغترا بعلمك، ولا تأمنن كونك من المتعلمين، تشاور مع غير المتعلم، كما تتشاور مع المتعلم، فحدود العلم لا يمكن الإحاطة بها، وما خفي من الحكمة أندر من الأحجار الكريمة، لكنك! قد تجدها عند امرأة تدير الرحاية”.

ترى إلى أي مدى استطاع مثقفونا العرب تطبيق هذه المقولة في يومنا هذا؟ ولماذا صارت النرجسية عند بعضهم ظاهرة أدت إلى انسلاخهم عن مشكلات المجتمع وهمومه؟ وما هي الأسباب الرئيسة التي أدت إلى نشوء هذه الظاهرة لديهم؟!

هذا ما تحاول الورقة الإجابة عنه.

مفهوم المثقف في الحقل الدلالي العربي

لا نزال نفكر ونفتش عن مفهوم عميق للعلاقة الجدلية التي تربط المجتمع بالثقافة من جهة، والمثقف بالمجتمع من جهة أخرى حيث كلا المفهومين جزء لا يتجزأ في تكوين الآخر. وهنا علينا تعريف المثقف وإن كانت دلالة المصطلح واسعة جدا وربما من الصعب على المرء الإحاطة بالتعريف ككل. لكن! يمكن تعريفه بالحدود الدنيا كالوعي، الفهم وكذلك أسلوب وطريقة التفكير الصحيحة وسعة الأفق كون المثقف يمتلك مؤهلات علمية ومكانة اجتماعية تؤهله لأن يوسم بهذا اللقب. بينما يرى البعض الآخر أنه لا يمكننا إطلاق هذا اللقب على المثقف ما لم تكن هذه المؤهلات العلمية منعكسة تماما في سلوكه الشخصي وحركته في المجتمع (1)

أو قادرا حقا على القيام بدوره الرسولي في قومه من خلال ارتباطه بالجماهير لمشاركتهم همومهم وآلامهم، بل! والتفكير معهم بصوت عال ومرتفع لإيجاد حل لهذه المشكلات، والشجاعة في تبني حلول لها والدفاع عن هذه الحلول.

إن أول لفظ ” المثقفين” تاريخيا في العصر الحديث والمعاصر ما ذكره المثقف المغربي محمد عابد الجابري في كتابه ” المثقفون في الحضارة العربية” في بيان نشرته جريدة لورو الفرنسية عام ١٨٩٨ بعنوان بيان المثقفين حيث كان موقفا لمجموعة من المثقفين الفرنسيين من أمثال إميل زولا وأناتول فرانس وغيرهم يطالبون فيه بمحاكمة ضابط فرنسي من أصل يهودي تحت محاكمته وإدانته عام ١٨٩٤ بالتجسس لصالح ألمانيا. واثبتت زيف الوقائع التي أدين بسببها واتجهوا إلى الرأي العام الفرنسي لدعم قضيتهم. فتبناها هؤلاء المثقفون بعد صدور البيان. انقسم المجتمع الفرنسي إلى معسكرين، الأول مؤيد التجمع الجمهوري والثاني معارض وهم الوطنيون. وبعد صراع طويل تمت إعادة محاكمة الضابط وتبرئته. وبناء على ما سبق يمكن تعريف المثقف أنه ضمير مجتمعه نحو الإنسانية والعقلانية لأنها حقا من ألطف الصفات، التي يتسم بها حامل هذا اللقب. ولا تعني بالضرورة بوصفه مثقفا كونه حاصل على شهادة علمية مرموقة، أو شهرة إعلامية فقط دون انتمائه لقضايا وهموم مجتمعه الإنسانية.

المثقف العربيالنرجسيةالنرجسية والمثقفد. براءة زيدان