الواشنطن بوست: بايدن تجاهل قانون مناهضة التطبيع مع الأسد

تتلقى الآن الحكومات الديكتاتورية في جميع أنحاء العالم دروسًا حول كيفية ارتكاب جرائم ضد الإنسانية دون محاسبة، مما يعزز احتمالية عودتها إلى المشهد السياسي، ويبدو أن إدارة بايدن تسهم في صياغة هذا المنهج من خلال عدم موافقتها  على قانون مناهضة التطبيع مع الأسد .

ومضت ثلاثة عشر عامًا منذ بداية الثورة السورية، وعلى الرغم من غياب سوريا تدريجيًا عن الواجهة الغربية، إلا أن قضيتها لا تزال ماثلة مع استمرار الأسد في ارتكاب جرائم الحرب وجرائم ضد الإنسانية، بما في ذلك قصف السكان المدنيين واعتقالهم وتعذيبهم، وهو يعمل بجد على تقويض استقرار الشرق الأوسط من خلال تحالفاته مع روسيا وإيران.

مع تصاعد التوتر مع هذا التحالف الاستبدادي، كان من الأنسب للولايات المتحدة وحلفائها البقاء على مواقفهم تجاه سوريا، ولكن بدلاً من ذلك، زاد عدد الدول التي ترحب بعودة الأسد إلى المشهد الدبلوماسي، خاصةً تلك الدول الشريكة للولايات المتحدة في الخليج العربي، التي سعت إلى ذلك مقابل فرص العقود الرابحة التي تهدف إلى إعادة إعمار المدن التي دمرها الأسد.

اقرأ أيضاً: تعزيزات عسكرية مستمرة لنظام الأسد تصل إلى السويداء

تتبنى الإدارة الرسمية لبايدن سياسة معادية للتطبيع مع الأسد، حيث تعتمد بشكل أساسي على فرض العقوبات كوسيلة لوقف جرائمه. ومع ذلك، في الخفاء، يبدو أن الإدارة الأمريكية تقلل ببطء واستمرارية من الضغط عليه، وفقًا لما ذكره نواب من الحزبين ومنظمات سورية أمريكية.

يعلق النائب بريندان بويل، أحد مؤسسي تكتل سوريا في الكونغرس، قائلاً: “إن الحرب المنسية لهذا الجيل هي سوريا، حيث يظهر الإشمئزاز عندما يتجاهل كثيرون في العالم الغربي الفظائع التي وقعت هناك”.

يعتبر بويل أحد النواب الذين رعوا قانونًا معادًا للتطبيع مع نظام الأسد، والذي يمثل الجهود المبذولة في الكونغرس لتمديد وتوسيع العقوبات ضد أي جهة تساهم في إعادة تأهيل النظام، وخاصة في دول الخليج العربي، بالإضافة إلى فرض عقوبات على برلمان الأسد وعلى الأمانة السورية للتنمية التي تترأسها عقيلة الأسد، نظرًا لاتهامهما بالفساد المستشر وسرقة المساعدات الدولية. وقد أقر مجلس النواب هذا القانون في شهر فبراير الماضي بأغلبية تصل إلى 389 صوتًا مقابل 32 صوتًا رافضًا.

لمتابعة كل جديد اشترك في قناة صحيفة حبر على واتساب اضغط هنا

كان رغبة مايك جونسون رئيس مجلس النواب في تضمين مشروع هذا القانون ضمن حزمة قوانين مكملة تمت الموافقة عليها خلال الأسبوع الماضي. ومع ذلك، خلال المفاوضات، عارض البيت الأبيض هذا الاقتراح، وفقًا لعدد من النواب والمعاونين في الكونغرس، على الرغم من عدم معارضته لتضمين مشروعات أخرى تفرض عقوبات، بما في ذلك تلك التي تستهدف إيران.

ويرد النائب جو ويلسون، الذي قدم قانون مناهضة التطبيع مع الأسد، قائلاً: “لا يمكن فهم القرار الذي يزيل هذا القانون، الذي وافق عليه كل من الحزبين ضمن حزمة قوانين مكملة، فعدم محاسبة إدارة بايدن لبشار الأسد بعد ارتكابه لجرائم يقوي بوتين والنظام الإيراني”.

تعتبر هذه العقبة الأخيرة تحدًا لمؤيدي العقوبات، حيث قدم النائب جيمس ريش من الحزب الجمهوري مشروع القانون وملحقاته أمام مجلس الشيوخ خلال شهر سبتمبر الماضي، ولم يتقدم العمل نحو إقراره بشكل فعال من قبل الإدارة الأمريكية ومكتب رئيس اللجنة، بين كاردين. وما لم يتم إقرار هذا القانون قبل نهاية العام الحالي، فسينتهي العقوبات الحالية المفروضة على النظام والتي وافق عليها قانون قيصر لحماية المدنيين السوريين في عام 2020، وبالتالي سيخف الضغط على أي جهة تسعى للتطبيع مع الأسد.

اقرأ أيضاً: الحريّة والإعلام، كيف يلعب الإعلام (المستقل) دوره في التضليل!

وأكد مسؤول في البيت الأبيض أن الإدارة الأمريكية ترى أن لديها الأدوات اللازمة لملاحقة الأسد وحلفائه، وأشار إلى مخاوف بعض المنظمات الإنسانية الدولية والخبراء في هذا المجال من أن العقوبات الجديدة قد تزيد من تفاقم الوضع الإنساني في سوريا، في حين عارضت عدة منظمات إغاثية سورية هذه المزاعم.

من جهته، رفض مكتب كاردين التعليق عدة مرات على هذا الموضوع، ولكن في فيديو مسجل من مؤتمر عقدته منظمة مواطنون من أجل أمن أميركا وسلامتها، وهي منظمة داعمة سورية أمريكية بارزة، سمعنا كاردين وهو يقول: “يجب ألا نسمح للأسد بتجاوز جرائم الحرب التي ارتكبها وبدء عمليات التطبيع مع المجتمع الدولي”.

استاء الأميركيون السوريون الذين عملوا على هذا القانون من عرقلة تقدم مشروع القانون من قبل البيت الأبيض ومكتب كاردين دون الاعتراف بذلك علنًا، إذ ترى تلك المنظمات أن هذا القانون يشكل أفضل ضغط متاح لتأمين حماية للمدنيين السوريين.

يقول محمد علاء غانم، رئيس قسم السياسات في التجمع الأميركي من أجل سوريا، وهي مؤسسة تجمع تحتها منظمات سورية نشطة: “نشعر بصدمة كبيرة وإحباط عميق بسبب تصرفات البيت الأبيض وسناتور كاردين، اللذين عرقلا مشروع قانون مناهضة التطبيع مع الأسد الذي يتعلق بحقوق الإنسان، وسنتذكر ذلك عندما نتجه للتصويت خلال شهر تشرين الثاني المقبل”.

بل، يبدو أن هؤلاء الأميركيين الذين ينحدرون من أصول سورية يفكرون في التصويت لصالح الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، مما يعكس مدى إحساسهم بالخذلان. فقد أعلن ترامب مرتين عن سحب المتبقي من القوات الأمريكية في سوريا ثم تراجع عن ذلك، كما أنه لم يخف احتقاره لسوريا. ولذلك، لا يمكن لأحد أن يتوقع بالضبط ما سيفعله ترامب إذا فاز بولاية ثانية.

العقوبات وحدها ليست حلاً فعّالًا؛ يجب أن تترافق مع استراتيجية شاملة تسعى للتفاوض على حل دبلوماسي في سوريا. ومع ذلك، يجب أن يدرك أولئك الذين يدعمون فكرة انقضاء مدة العقوبات المفروضة على الأسد العواقب المتوقعة لهذا القرار، حيث سيزداد الأسد وحلفاؤه ثراءً وسلطةً، مما سيجعلهم أكثر جرأة في ارتكاب انتهاكاتهم ضد المدنيين وانتشار التطرف وعدم الاستقرار في المنطقة.

وبالإضافة إلى ذلك، يجب على العديد من الحكام الديكتاتوريين والعصابات التي ترتكب جرائم ضد الإنسانية في العديد من الدول أن تأخذ درسًا من الأسد ومساره، والذي يستند إلى تجاهل الانتقادات والتريث حتى يتقلص اهتمام العالم بالقضية. وفي النهاية، قد تجد الولايات المتحدة نفسها مضطرة لتجاهل جرائم الديكتاتور في نهاية المطاف.

المصدر: الواشنطن بوست

أمريكاالبيت الأبيضبايدنبشار الأسدسوريامناهضة التطبيع مع الأسد