علي سندة |
خلق الله في هذه الدنيا مواسم، وما جعل الله لشيء إبّان يأتي فيه إلا ومعه خير يناسب الإنسان في ذلك الوقت، وما رمضان المبارك إلا موسم خصصه الله سبحانه وتعالى للإنسان المؤمن للعبادة وفعل الخيرات واستغلال المناقب فيه، لذلك لا بد أن نستشعر هذا الموسم ونستغله خاصة أن لكل موسم أيام معدودة، ورمضان أيامه معدودة لقوله تعالى: “أيامًا معدودات”، والسعيد من يتذخَّر ويتزود في الموسم ويستغله ليخرج رابحًا غير خاسر لم ينل منه سوى تعذيب نفسه بالجوع والعطش وتحمل مشاق الصيام.
والسؤال الذي يلحُّ دائمًا ماذا نستغل في رمضان؟ وماهي المناقب فيه؟
أولًا- رمضان صلة الأرض بالسماء، كيف لا وفيه نزل القرآن من سابع سماء على قلب النبي صلى الله عليه وسلم ليكون هدى للناس، قال تعالى: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ} [البقرة: 185]
فأكرم بهذا الشهر من منقبة، لنزول القرآن فيه، وأعنا على تلاوته بتدبر وعمل، دون ترديده بسرعة بلا وعي وفهم بغية الإنجاز، فالرابح من ينجز ويفهم ويتدبر، ومن لم يبكِ ويستشعر عظمة القرآن لم يفهم ويتدبر المعاني.
ثانيًا-الصوم: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “قال الله عَزَّ وَجَلَّ: كل عمل ابن آدم له، إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به”.
رُدد على مسامعنا الكثير في الصوم، لا سيما الصوم عن كافة المحرمات من سمع وبصر.. وإن لم يصم الإنسان عن المحرمات لن ينل سوى تعذيب نفسه بالجوع والعطش.
ومن لطائف ما قيل في عدم ذكر ماهية جزاء الصوم، أن الصوم لا يقع فيه الرياء كما يقع في غيره، وهو سر بين العبد وربه، قال القرطبي: “لما كانت الأعمال يدخلها الرياء، والصوم لا يطلع عليه بمجرد فعله إلا الله، فأضافه إلى نفسه”
ثالثًا-تخصيص الله ليلة في رمضان هي خير من ألف شهر، وهي (ليلة القدر)، لقوله تعالى: “ليلة القدر خير من ألف شهر” وهذه الخاصية من بركة الله على الإنسان في الأعمال، إذ إن ألف شهر يعادل عبادة 83 سنة، وقد جعل الله ذلك بليلة واحدة!! فلو قام المؤمن ثلاثين أو أربعين ليلة قدر بحق وكُتب فيها من المقبولين لصار كأنه عاش أكثر من ثلاثة آلاف سنة وهو يعبد الله مخلصًا، اللهم بلغنا ليلة القدر واجعلنا فيها من المقبولين.
رابعًا-تُفتح في رمضان أبواب الجنة وتُغلق أبواب النار، وتسلسل الشياطين، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إذا كان أول ليلة من شهر رمضان صُفدت الشياطين ومردة الجن وفلقت أبواب النار فلم يفتح منها باب، وينادي منادٍ: يا باغي الخير أقبل، ويا باغي الشر أقصر”
خامسًا-نشاط النفس على الطاعات ضمن الجماعة، لصيام عامة المسلمين وأداء صلاة التراويح، فالإنسان بطبعه ميال إلى الاجتماع والمشاركة.
سادسًا-اجتماع كثير من العبادات في رمضان، كالصيام والصلاة وزكاة الفطر وسنة الاعتكاف وتلاوة القرآن وإفطار الصائمين وفعل الخيرات.. إلخ.
وأخيرًا- نيل الجوائز والعتق من النار، لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ” “إن لله عتقاء في كل يوم وليلة لكل عبدٍ منهم دعوةٌ مستجابة”، ولقوله صلى الله عليه وسلم: “للصائم فرحتان يفرحهما: إذا أفطر فرح بفطره، وإذا لقي ربه فرح بصومه.”
والخلاصة أن رمضان شهر التقوى والعبادة، وقد جاء في الأثر أن الصحابة رضي الله عنهم كانوا يسألون الله قبول شهر الصيام منهم نصف العام، ويسالونه بلوغ شهر الصيام بالنصف الآخر.