لعل اللافت في التحولات السياسية الحالية أن العلاقات بين الأعداء اللدودين كدولة الإمارات ومحورها الممثَّل بالسعودية والبحرين ومصر المنخرطة في تحالف عربي ضد الحوثيين في اليمن، ودعم خليفة حفتر في ليبيا، وصولًا لدعم الإدارة الذاتية الكردية في سورية والمعادية لتركيا التي تشكل محورًا آخر، تجدها اليوم تفتح الأبواب مشرعةً لعودة متسارعة بمستوى العلاقات السياسية والاقتصادية مع تركيا.
العودة الأخيرة تحمل العديد من المؤشرات التي ستلقي بظلالها على مشهد دول الشرق الأوسط، ولعل سورية هي القضية الأهم التي ستتأثر بهذا التغير، فالزيارات المتكررة لوفود إماراتية لقيادات قسد، يبدو أنها ستتعطل لمصلحة مقاربات إماراتية- تركية أقرب لعدم الاعتراف بالحالة القسدية الشاذة، التي لطالما دأبت الإمارات على تعويمها، تحت حجج محاربة تنظيمات جهادية في الشرق السوري.
القبول بالرؤية التركية، التي تحقق تفكيك منظومة قسد وعدم تقديم شرعية لها عربيًا، لمصلحة دعم منظومة العشائر العربية، وترسيخ نفوذها لمواجهة نفوذ إيراني معادٍ لدول الخليج ولتركيا كدولة نفوذ جيوسياسي مهم لها.
تفاوت بأسعار نقل طلاب الجامعات في المحرر
هذه العودة سترسم مسارات جديدة، لا يبدو أنها ستتجاهل تأثيرات الحرب ومفرزاتها على صعيد اللجوء السوري في تركيا، أو حتى التمثيل السوري عربيًا ودولياً، وتحقيق مقاربات واقعية ستكون أقرب للحل الأممي، فالنظام السوري الذي يحظى بشبه تطبيع إماراتي سيكون محطّ مراجعة عربية، فنظام منبوذ أوروبيًا وأمريكيًا لن تجدي مقاربات الإمارات التي تعرضت لتحذيرات أمريكية من أي عمليات تدوير للنظام السياسي الحالي في سورية.
دولة الإمارات التي ما دأبت تصف بوجود القوات التركية بقوات احتلال لجزء من أراضٍ عربية، وتحرض عليها في محافل الجامعة العربية، لا بد أنها ستتوقف بعد اليوم، فعودة العلاقات تتطلب شرعنة أكثر لوجود القوات التركية تحت بند الضرورة الأمنية ذات الطابع القومي، ولهذا حساسية لدى الجانب التركي لا يبدو أنه سيتخلى عنه، بل سيعمل على تطويع بقية الأطراف للقبول بهذا الواقع المتغير، ما يعني تضييقًا على حلم النظام السوري في التفكير بحلحلة عسكرية مدعومة عربيًا.
لمتابعة كل جديد اشترك في قناة صحيفة حبر على تلغرام اضغط هنا
لا يبدو بعد هذه العلاقات، إن تحقق فيها التوافق بالحد الأدنى، ستتابع بالشكل القديم، فتمويل الحملات الروسية لمصلحة مزيد من الهجمات على المدنيين في سورية قد تغير لمصلحة اقتراب أكبر من قرارات مجلس الأمن بنبذ نظام دمشق الحالي، وهذا ينظر له كخطوة لتطويق الأزمة والمساهمة أكثر للبدء بخطوات عملية تحقق تغييرات واقعية، تبدأ معها إعادة الإعمار القضية الأهم، فقطاع إعادة الإعمار والمناقصات ستكون محطّ اهتمام دولي ستسعى الإمارات له جاهدة بالتشارك مع تركيا لمواجهة السعودية التي بدأت هذا السباق على ما يبدو.
النظرة الاقتصادية التي بنيت عليها الاتفاقات الأخيرة لا بد أن تأخذ بعين الحسبان الطرق الدولية التي تعدُّ شريانًا يصل الخليج بالاتحاد الأوروبي، ووجود تركيا في جزء مهم من الطريق الدولي يحتم تسريع آليات آمنة لتمرير القوافل التجارية، التي ثبت أن تركيا هي جزء اساسي لا يمكن تجاهله، وهذا ما خلصت له الإمارات ودول الخليج أيضًا.
ترى تركيا أن هذا التقارب خطوة مهمة جدًا، تطمح لتوسيعها وإنهاء حالة المشاحنة وفتح صفحة جديدة مع الإمارات بالتحديد، كونها الخصم الذي لطالما واجه الأتراك في الميدان العسكري في ليبيا، وسياسيًا في أروقة العرب والتأثير في حكوماتهم.
خطوة يبدو أنها ستزج بالخليج بشكل أكبر للمساهمة في حلحلة الأزمة السورية الشائكة والتفرغ للقضايا الداخلية، وأهمها الحرب الاقتصادية، وكبح المضاربات المالية التي تهدد المواطن التركي ومستقبل الحكومة وتحقيق استدارة نحو الداخل بعيدًا عن القضية السورية وإعادتها لحضنها الطبيعي.