تعديلات قانون الجرائم الدولية الألماني وتأثيرها على مجرمي الحرب في سوريا

محمد الحربلية

لعب القضاء الألماني دوراً هاماً في دعم ملف العدالة الجنائية على المستوى الدولي والتصدي لظاهرة الإفلات من العقاب، ولا سيما في سوريا في ظل حالة انكار العدالة من قبل المجتمع الدولي وانتشار ظاهرة الإفلات من العقاب.

وقد أخذت بعض الدول على عاتقها ألاّ توفر ملاذاً آمناً للمجرمين الذين ارتكبوا جرائم خطيرة في بلدان أخرى ثم لجؤوا إليها، كما هو الحال في ألمانيا التي منحت محاكمها صلاحية النظر في الجرائم الدولية استناداً إلى الولاية القضائية العالمية. يستند القضاء الألماني في ملاحقة جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية والإبادة الجماعية، إلى قانون الجرائم الدولية الألماني الصادر عام  2002 والذي خضع لعدة تعديلات، كان أخرها في 6 حزيران 2024 عندما أقر البرلمان الألماني تعديلات لتلافي نقاط الضعف في القانون التي ظهرت من خلال المحاكمات الجارية في السنوات الماضية.

تتمثل أهم تلك التعديلات في توسيع نطاق المسؤولية الجنائية لتشمل ملاحقة مسؤولي الدول أمام القضاء الألماني، وإزالة العقبات أمام الادعاء بجريمة الاختفاء القسري، وتوسيع النطاق الموضوعي لبعض الجرائم.

عدم الاعتراف بالحصانة الوظيفية أمام المحاكم الألمانية: امتنع القضاء الألماني في المحاكمات السابقة عن ملاحقة مسؤولي الدول، حيث اصطدم بمبدأ الحصانة الوظيفية لمسؤولي الدول احتراماً لمبدأ السيادة، لكن بموجب التعديلات الجديدة صار بإمكان القضاء الألماني ملاحقة مسؤولي الدول بصرف النظر عن رتبهم، وهذه الصلاحية مستمدة من القانون الدولي الجنائي العرفي الذي لا يعترف بالحصانة لمسؤولي الدول عن الجرائم الدولية، وهو ما يفتح الطريق أمام مقاضاة مسؤولي النظام السوري أمام القضاء الألماني،ولكن من غير الواضح بعد فيما إذا كانت الملاحقة سوف تشمل كبار المسؤولين كرئيس الجمهورية، وهو ما ستكشف عنه المحاكمات القادمة.ط

اقرأ أيضاً: داوود أوغلو يحذر من لقاء الأسد وأردوغان

تبسيط اجراءات الملاحقة عن جرائم الاختفاء القسري: في السابق كان قانون الجرائم الدولية الألماني يشترط على المدعي بجريمة الاختفاء القسري أمام القضاء الألماني تقديم إثبات بوجود تحقيق رسمي لدى السلطات المختصة في البلد الذي تعرض فيه الشخص للاختفاء القسري، إلا أن صعوبة هذا الشرط قد منعت من تقديم الادعاء بهذه الجريمة، وعلى سبيل المثال لا يمكن لأحد أن يطلب من الجهات المختصة لدى النظام السوري إجراء تحقيق عن مكان اختفاء شخص لأنه سيواجه ذات المصير، لذلك فإن الغاء شرط التحقيق المسبق سوف يفتح الباب أمام الضحايا وذويهم للادعاء أمام المحاكم الألمانية بحالات الاختفاء القسري.

توسيع نطاق جريمة العنف الجنسي والاضطهاد: شمل التعديل الجديد توسيع النطاق الموضوعي لجريمة العنف الجنسي ليشمل كلاً من الاعتداء الجنسي أو الاغتصاب أو الإكراه على ممارسة البغاء أو الاستعباد الجنسي أو الحرمان من القدرة على الإنجاب أو الحمل بالإكراه بقصد التأثير على التركيبة السكانية، أو الإكراه على اسقاط الحمل.

التعديلات الجديدة شملت أيضاً إدراج الاضطهاد على أساس الجنس كجريمة ضد الإنسانية، كاضطهاد النساء استناداً إلى هذه الصفة.

ترجمة المحاكمات وتسجيلها: لم يسمح القضاء الألماني في سياق الولاية القضائية العالمية بميزة ترجمة المحاكمات، لذلك فقد تعذّر على وسائل الإعلام من غير الناطقين بالألمانية تغطية تلك المحاكمات، حيث تقتصر الترجمة على المرافعات والبيانات الختامية، والأدلة التي يقدمها محامو الدفاع والادعاء. كما لم يُسمح بتسجيل تلك المحاكمات بالصوت والصورة وعرضها رغم أهمية ذلك الاجراء، نظرا لما تنطوي عليه الجرائم الدولية من انتهاك للقيم الانسانية، وهو ما يمنح المجتمع الدولي الحق في متابعة تلك المحاكمات. وفقا لتقرير المركز السوري للعدالة والمساءلة، كانت الترجمة الفورية إلى العربية في محاكمات كوبلنتس متاحة فقط للمدعين والمتهمين ، ولم يُسمح للصحفيين والحضور بالحصول على الترجمة الفورية رغم توفر سماعات الترجمة.

بموجب التعديلات الجديدة، يمكن للمحكمة أن تتيح الترجمة الفورية لممثلي وسائل الإعلام والصحفيين من دون الجمهور، كما يمكن للمحكمة أن تسمح بتسجيل المحاكمات ونقلها، وهو ما يعزز من فرص وصولها وعلى نطاق واسع.

السماح بحصول الضحايا على المساعدة القانونية: يسمح قانون الجرائم الدولية الألماني بمشاركة الضحايا في المحاكمات بصفتهم مدعين ويمنحهم الحق في استجواب الشهود والترجمة الفورية والطعن بالحكم، ورغم أنه سمح لهم بالتمثيل القانوني، لكنه لا يعطيهم الحق في الحصول على المساعدة القانونية من خلال تعيين محامٍ على نفقة الدولة، وقد تسبب ذلك بالحدّ من أعداد الضحايا المشاركين في المحاكمات بسبب عدم القدرة على دفع أتعاب المحامي.

بموجب التعديلات الجديدة للقانون فقد سُمح للضحايا المشاركين بالحصول على المساعدة القانونية، كما سمحت التعديلات  بتمثيل عدة مدعين في القضية الواحدة من قبل محامي واحد، ويمكن للمحكمة أن تعيّن محامياً مشتركاً للعديد من الضحايا إذا كانت الجرائم التي لحقت بهم الضرر ذات مصدر واحد.

اقرأ أيضاً: أردوغان يطالب إيران وأمريكا بدعم التطبيع مع الأسد

تمكين الضحايا من خدمات الدعم النفسي والاجتماعي: يسمح القانون للضحايا بتقديم طلب إلى المحكمة للحصول على الدعم النفسي والاجتماعي من قبل اختصاصيين، وينبغي أن يتضمن الطلب تحديد احتياجات الحماية اللازمة، وللمحكمة سلطة تقديرية في قبول الطلب أو رفضه، وفي الحالة الأخيرة يجب أن يتحمل الضحية تكاليف خدمات الدعم النفسي والاجتماعي من خلال الاستعانة باختصاصيين يرافقون الضحايا أثناء تقديم إفاداتهم. ووفقاً لتقرير صادر عن المركز السوري للعدالة والمساءلة عام 2022 حمل عنوان” بين اليأس والأمل” فقد لوحظ خلال محاكمات كوبلنتس أن بعض الناجين والناجيات كانوا يعانون من الضغط النفسي خلال الادلاء بشهاداتهم، ومنهم من دخل في نوبة بكاء، لكن لم يكن في قاعة المحكمة اخصائيون للدعم النفسي.

أما التعديلات التي تضمنها القانون الجديد، فقد منحت الضحايا حق تقديم طلبات للحصول على الدعم النفسي مجانا دون أن يفرض عليهم أية متطلبات، كما يمكن للمستشار النفسي حضور المحاكمة مع الضحية.

لا شك أن تلك التعديلات ستؤدي إلى تحقيق فعالية أكبر في الملاحقة الجنائية للجرائم الدولية بعد توسيع النطاق الموضوعي والشخصي لاختصاص القضاء الألماني، وقد يشجع ذلك على زيادة نسبة القضايا المرفوعة من السوريين أمام القضاء الألماني ضد مجرمي الحرب التابعين للنظام السوري.

تجدر الإشارة إلى  أن القضاء الألماني يتميز في إطار ممارسته للولاية القضائية العالمية، بصلاحية اجراء تحقيقات هيكلية موسعة حيث تنصب تلك التحقيقات على تحديد العلاقة بين الجرائم المرتكبة وبين هياكل السلطة وما تحتويه من أفراد، والجهات الفاعلة والأفراد خارج هياكل السلطة كالمدنيين الذين كان لهم دور في ارتكاب تلك الجرائم، بمعنى أنه يستطيع مباشرة التحقيقات الأولية عن الجرائم الدولية التي وقعت في بلد آخر ويجمع أدلتها حتى لو كان المتهمون غير محددين.

 

ألمانياسورياقانون الجرائممجرمي الحرب في سوريامحمد الحربلية