غسان الجمعة |
بعشرات القرارات التنفيذية التي كان يرفضها أو يعرقلها ترامب، بدأ الرئيس الأمريكي جو بايدن مسيرته في البيت الأبيض بتوقيعها مع تأكيد مراجعة الكثير من الملفات التي كانت تعمل عليها الإدارة الأمريكية السابقة، وذلك في رسالة من البيت الأبيض إلى الداخل الأمريكي والمجتمع الدولي أن ثمة تغيير حقيقي في السياسة الخارجية والداخلية عن سابقتها في عهد ترامب، التي قد تتفق فيما بينها على المصلحة الأمريكية كإستراتيجية واضحة لكل الإدارات الأمريكية، إلا أنها سياسات تختلف في آلية وطريقة تنفيذها.
فالمنظار الأمريكي لراعي البقر الكابوي ترامب لم يعد في البيت الأبيض، بل هناك من يرسم إستراتيجية لا تقوم على مبدأ أمريكا أولاً فقط، إنما أمريكا في القيادة.
ورغم أن الفروق ليست كبيرة بين الجمهورين والديمقراطيين في إدارة السياسة الخارجية كون الولايات المتحدة دولة مؤسسات وصناعة القرار في أي مؤسسة فيها مرهون بالمصلحة الأمريكية، إلا أن إصلاح ما خلَّفه ترامب يحتاج كثيرًا من العمل من فريق بايدن.
اقرأ أيضاً: الرئيس الأمريكي جو بايدن يصدر قراراً خاصاً بالسوريين
وهنا يكمن السؤال: هل سيكون هناك تغيير جوهري في ملف السياسة الخارجية أم لن يكون؟ هل سيكون العمل قائمًا على استنساخ سياسة أوباما التي صنعها بايدن نفسه في بعض ملفاتها عندما كان نائبًا لباراك أوباما؟!
لا شك أن عهد أوباما لم يكن ورديًا، غير أن مقارنته مع ترامب أبرزت ميزته العادية بأنه عهد يتم فيه توقع السياسات التي يخطوها البيت الأبيض حول الملفات العالمية، ومن المكن التكهن بالموقف الأمريكي من خلال السلوك السياسي والدبلوماسي في معالجة أي قضية، وهو ما يتمناه الجميع من إدارة بايدن، حيث الوضوح والثقة بالمظلة الأمريكية (لمن يفاوضها أو يعتمد عليها) على عكس ما عاناه العالم من انعطافات ترامب الحادة والمفاجئة.
فعلى الساحة العالمية عادت الإدارة الأمريكية لطمأنة حلفائها في مختلف الأنحاء بوقوفها إلى جانبهم دون أن تذكِّرهم بأن (ادفعوا)، كما عادت لاتفاقية المناخ دون حسابات الربح والخسارة، حيث إن الثروة هي صحة الإنسان والبيئة النظيفة، بالإضافة إلى تسوية الأوضاع القانونية لآلاف المهاجرين الذين كان يُنظَر إليهم من قِبل ترامب بعين الكلفة الزائدة وعدم الفائدة.
اقرأ أيضاً: هادي البحرة: اللجنة الدستورية في العناية المشددة بسبب نظام الأسد
وعلى صعيد آخر ستركز الإدارة الأمريكية الجديدة على كل من روسيا والصين بشكل مختلف عن معاملة ترامب لهما، حيث اكتفى الأخير بالصفقات وعدم الاحتكاك بإخلاء بعض الساحات للتنين الصيني على الصعيد العسكري كما هو في بحر الصين، والصعيد الاقتصادي كما هو في السوق الإفريقية.
في حين إن الدب الروسي خرج من أمام أنظار ترامب إلى ساحات الأحلام السوفيتية والأطماع القيصرية دون محاسبة أو احتواء مع إذعان أمريكي غير مفهوم في بعض الملفات (سورية وليبيا) وصل إلى درجة وصف ترامب بأنه دمية بوتين.
وفي الجانب الأهم لنا تواجه إدارة بايدن في سياستها في الشرق الأوسط ملفين بارزين تتقاطع فيهما نقاط الارتكاز للسياسة الخارجية الأمريكية في المنطقة بين أولوية مطلقة إلى الأقل منها درجة، فالملف الإيراني وما يتفرع عنه من مشكلات في الخليج واليمن وسورية وتهديد إسرائيل والاتفاق النووي هو المحرك الأساس لصناعة القرار الأمريكي في المنطقة، ومن جانب آخر قد لا تُكرر إدارة بايدن أخطاء أوباما في التعامي عن فوضى الحروب في المنطقة، وهو أحد الأسباب التي أفقدتهم ثقة بعض الناخبين الأمريكيين والحلفاء الدوليين، ولا سيما أن تركيب الإدارة الحالية تتقاطع فيها الكثير من الشخصيات كانت في عهد أوباما والآن هي في سدة السلطة في عهد بايدن.