تستعيد مدينة إدلب حياتها عبر عدة مشاريع بمبادرات فردية في مختلف المجالات (الصناعية، والتجارية، والزراعية.. إلخ)، مع بروز كبير للأنشطة الترفيهية والخدمية، ومنها حمام (الكرم) التي كان اسمها سابقًا (الهاشمية)، الواقعة بالقرب من جامع الجوهري الأثري.
بجولة سريعة ضمن أروقة الحمام تنعش الذاكرة السورية بعبق التاريخ الذي ميز مدنها بعمران تراثي فريد من نوعه رغم بساطة الحمام الذي يعود تاريخه إلى ما يقارب 300 عام، أي في العهد العثماني، وأُعيد ترميمه قبل 163 عامًا بحسب لوحة فوق مدخله.
يحدثنا عن الحمام السيد (رامز قره محمد) قائلاً: “استثمرت في الحمام مستأجرًا، وأعدت ترميمه بشكل كامل محافظًا على هيئته القديمة”.
ويضيف: “أُهمِل الحمام في السنوات الأخيرة بسبب توقفه عن العمل، واحتاج للترميم بكافة جدرانه وقبابه التي صمدت رغم ما تعرضت له المدينة من قصف.
تم الترميم، وأُعيد طلاء الجدران ورسم الزركشات وتركيب الأحجار والبلاط المتدمِّر بفعل الزمن، واستبدلنا أنابيب المياه التالفة وتم إعادة التمديد الداخلي للأنابيب تحت الأرض؛ لتدفئة غرفة الحمام، وبدأنا بالعمل منذ أشهر ليصبح بالشكل الحالي”.
لمتابعة كل جديد اشترك في قناة صحيفة حبر على تلغرام اضغط هنا
الاستثمار في إدلب:
وعن مخاطر استثمار آلاف الدولارات في حمام بالرغم من استمرار التوتر بالمنطقة وإصرار نظام الأسد على الحلول العسكرية والقصف، أجاب قره محمد: “الحياة تستمر بطبيعة الحال، وفكرة الحمام تجارية وترفيهية، الناس تحتاج لتعيش هذه الأجواء، والأجيال الجديدة تحتاج تجربة حمام السوق التي عاشها آباؤهم، كما أن الحمام ليس فقط لميسوري الحال، فتكلفة الدخول للشخص البالغ 15 ليرة تركية والصغار نأخذ أقل بحسب العمر”.
(محمد أبو حمدي) يعمل مساعدًا في الحمام بمهمة (لف البشاكير) للزبائن في قسم الوسطاني بينما يقوم بالغناء والمواويل للتسلية يرى أن “المشروع ليس ترفيهيًا فقط، بل خدمي لمن لا يملكون حمامات في منازلهم من إخواننا النازحين، ويستخدمون بوابير الكاز لتسخين الماء، فالحمام دافئ ونوعًا ما رخيص”.
وهذا ما دفع السيد (علي الجرك) أحد النازحين من مدينة معرة النعمان لتجربة حمام السوق، حيث قال لصحيفة حبر: “المكان جميل وهادئ، أحضرت أولادي لتعريفهم بالحمام وأجوائه التي جربناها مع والدي وما تحمله من ذكريات ولعب وضحك، وأيضًا للتسلية وسماع المواويل، والخدمة هنا جيدة يقدمون ضيافة لنا الشاي والقهوة المرة، وهي أرخص من تكلفة الحمام في البيت وأكثر دفئًا.”
صعوبات المهنة:
وبالعودة إلى (أبي محمد) صاحب الحمام الجديد، يخبرنا أنها “ليست مهنته وما يزال يتعلم فيها وخاصة في تكاليف تسخين المياه على الحطب في بيت النار، أو القميم كما يُعرَف، حيث تُسخن كمية من الماء في حوجلة نحاسية كبيرةـ، وترسل عبر أنابيب على طول يزيد عن 25 مترًا نحو خزان حجري داخل صالة الحمام الرئيسة، ثم تتفرع عبر التمديدات لأربع حجرات استحمام صغيرة وثلاثة حمامات أكبر، وهذا التمديد يجعل الحمام دافئًا بشكل كبير ويمنح الزبائن الاسترخاء والراحة.
أما عن التكاليف الأكبر فهي الماء، فمهما جُمع من ماء خلال يوم الضخ يحتاج لإعادة ملء الخزانات عبر الصهاريج، وهي تكلفة كبيرة نوعًا ما، يُعول على تعويضها خلال موسم الشتاء”.
ويتأمل أبو محمد نجاح مشروعه كونه الوحيد حاليًا في إدلب الذي يعمل بشكل يومي وبدوامين صباحي للنساء ومسائي للرجال”.
كما ترك المجال مفتوحًا لمن يريد أن يستأجره ليوم كامل لإقامة حفلة عرس أو تعليلية كما في الزمن الغابر.
مشروع مهم في المنطقة:
والتقينا بالسيد أحمد سميع (أبو صطيف) من أبناء حارة الجوهري، وابن أحد العائلات التي امتلكت الحمام من تأسيسه، وقال لنا: “اسم الحمام الأساسي (الهاشمية) لعائلة المعلم، وعمره بين 250 إلى 300 سنة، ثم كان لجدي (آل سميع)، ثم تم بيعه إلى عائلة (حج ياسين)، ثم حاليًا مُلك لعائلة (جبران)، وهو من عمر بناء جامع الجوهري الذي أعطى هذه الحارة اسمها.”
وعدَّ أبو صطيف أن المشروع مفيد جدًا على صعيد تنشيط الحركة في المنطقة، وأيضًا عودة التراث الذي يحبه، فهو من يحضر الأعراس والمناسبات بالزي العربي الشهير لفرق الرقص، ويرى الحمام فرصة لعودة هكذا سهرات.
ويوجد في مدينة إدلب حمامين آخرين (الروضة) في شارع الجلاء وهو قيد التجهيز حاليًا، وحمام (المحمودية) قرب ساحة الحجاز، ويعمل بنظام الحجوزات، وثمة حمامات أخرى قديمة بين مهدمة ومهملة مثل (الميري، والصالحية، والذهب، والطاهرية) .