خارج صندوق اليأس

غسان الجمعة

مايزال وزير الخارجية التركية جاويش أوغلو يتحدث عن فرص الحل الوسط مع نظام الأسد وتبني رؤية السلام على الطريقة الروسية، وفيما يبدو ليس التصريح عابرًا، بل ربما خريطة عمل أقرها الرئيسان الروسي بوتين والتركي أردوغان في لقاء سوتشي الأخير.

حالة الصدمة والغضب التي أصابت الشارع السوري المعارض من الموقف التركي أدت بالكثيرين (سياسيين، وناشطين) لفقدان الأمل من سياسة الجانب التركي في دعم الثورة السورية بالوتيرة والآليات نفسها مستقبلاً، ووجد الحراك الثوري نفسه أمام خذلان مفاجئ عقب اختفاء تصريحات التهديد والوعيد بفتح المعارك ودعم السوريين وحقوقهم المشرعة إلى الدعوة للسلام والاستكانة والمراوغة من نظام مجرم منبوذ دوليًا.

وأمام هذا المشهد السياسي وَجد السوريون أنفسهم أمام سؤال مصيري: هل نستسلم لهذه الرؤية السياسية المسمومة بالرغبات الروسية والإيرانية على طاولة المصالح التركية والانحدار إلى مسار أكثر فراغًا وعبثية من أستانا وغيرها أم علينا البحث عن مخرج جديد؟!

مشفى الأطفال الجامعي في دمشق يرفع أسعار خدماته بنسبة 500 بالمئة

ليس من المنطق أن نحاسب دولة وقفت بقدراتها ومقدراتها إلى جانبنا ما يقارب العقد عندما تريد السعي خلف مصالحها، بل علينا البحث عن فرص ومسارات جديدة لتحقيق أهدافنا بعيدًا عن نظريات المظلومية والاتكال، لا سيما أن الفرص في عالم السياسة ليست عقيمة وتختلف فقط حساباتها بتغير أطراف المصالح وحجم المكاسب والتنازلات.

البداية من تركيا التي يستطيع السوريون التأثير فيها على صناع القرار بوسائل وآليات اجتماعية وسياسية تبدأ من الساسة السوريين، ولا تنتهي بوسائل الإعلام الموجِّهة للشارع التركي، وهذا الدور ما يزال لليوم مثار إشكال لا يتسع هذا المقال لنقاشه، لكن التطرّق إليه يرتبط بتلك الفرص التي يمكن أن نعود ونرمم من خلالها ما تداعى من السياسة الخارجية التركية.

الجميع يعلم أن الأحزاب التركية تتسابق نحو إرضاء الناخب التركي، وهي تشكل بفوزها من خلال الناخب حكومة تُدير البلاد بخطط ومنظور برنامجها الانتخابي، وللأسف لم يتوجه الساسة السوريون إلى هذا الناخب بأي خطاب، ولليوم لا يوجد منبر سوري إعلامي يتفاعل بخطة مدروسة مع الشارع التركي بلغته وعاداته وثقافته، ممَّا خلق فجوة استغلتها المعارضة التركية دون منافسة وبدأت حالات الاعتداءات والكراهية بالظهور، وتطور الأمر بأن وَجد حزب (العدالة والتنمية) نفسه في موقف يخسر فيه حاضنته الشعبية، وأدى ذلك إلى اتخاذه سلسلة من القرارات الإدارية والسياسية ليدرأ عن نفسه أمام الناخب التركي افتراءات ومزاودات المعارضة، ومن تلك النقطة تحولنا لقرابين انتخابية بسبب سوء إدارتنا السياسية والاجتماعية وحتى الاقتصادية في بلد يتجاوز فيه عدد السوريين 3 مليون إنسان.

لمتابعة كل جديد اشترك في قناة صحيفة حبر على تلغرام اضغط هنا

من جانب آخر يتطلب شكل العلاقة مع الجانب التركي إصلاحًا سياسيًا وإداريًا وعسكريًا، فالهيكلية الحالية يشوبها الكثير من الأخطاء والتعقيدات سواء بين المناطق المحررة والإدارة التركية أو على صعيد التنسيق السياسي.

فالدور التركي ومصالحه في الشمال السوري تلتقي مع مصالح السوريين واحتياجاتهم، لكن هناك فرق واسع بين التفاهم على هذه التقاطعات كحليفين وشريكين، وبين تقديمها على طبق من ذهب أو بالمجان، وبالتالي فإن التفريط بها عادة يكون بلا ثمن.

عندما تتغير أرضية هذه العلاقة يمكننا عندها البناء عليها، أمَّا في حال استمرت سياستنا كلاجئين وأصحاب قضية في التعامل مع الجانب التركي دون أفق وهدف فليس لنا الحق بالغضب والاحتجاج، فمن يسلِّم نفسه للمجهول عليه أن يرضى بما سيؤول إليه حاله.

وبعيدًا عن الشركاء الأتراك ما نزال حتى اليوم نحظى بدعم غربي، وقضيتنا تدعمها الكثير من الدول، وعلى رأسها الولايات المتحدة التي تعدُّ لاعبًا وازنًا على الساحة السورية، وهي قطب قوي في مواجهة السياسة الروسية في سورية، ولا يمكن أن يتم تجاوزها من قبل أطراف أستانا على الأقل في إطار الحل السياسي، فكيف إذا ما سعت المعارضة السورية إلى إعادة فتح قنوات جديدة لاسيما أن إدارة ترامب المتواطئة مع بوتين في السابق هي من أضرت بالملف السوري، واليوم الإدارة الحالية مختلفة تمامًا، وهي في حالة مواجهة غير مباشرة مع روسيا في أوكرانيا.

إن التنسيق مع الدول الغربية سياسيًا سيضيف ثقلاً جديدًا في ملف الحل السياسي، وسيرسم إطارًا جديدًا لأي خطوة عسكرية على الخريطة السورية، فقد أثبت الانسحاب الغربي الجزئي من الملف السوري أنه يصبُّ في مصالح روسيا وإيران والنظام السوري، ولم تتمكن تركيا من وقف الانهيار السريع لمناطق المعارضة السورية، فقد اكتفت بتقليص مناطق خفض التصعيد واحدة تلو الأخرى في اتفاقات متعاقبة.

ومن المسارات الأخرى التي يمكن أن تعمل عليها المعارضة السورية هو المسار العربي الذي أهمله الائتلاف والحكومة المؤقتة على حد سواء، وهو ما أدى إلى تسارع في عمليات التطبيع مع النظام السوري مع عدم نكران وجود نوايا لدى بعض الدول العربية منذ البداية في دعم النظام السوري ضد الثورة السورية، إلا أن أخطاء المعارضة في التعامل مع الخط العربي دفعت بالرماديين منهم لحضن الأسد، لاسيما مع انحياز المعارضة السورية إلى جانب قطر وتركيا في خلافهما مع السعودية والإمارات ومصر.

إن عدم الاستثمار في ورقة العداء مع إيران مع الأشقاء العرب سيدفع المنظومة العربية نحو التطبيع عاجلاً أم آجلاً مع الأسد بحجة عدم وجود البديل والرغبة في احتواء سورية على منوال النموذج العراقي من خلال عدم إفساح المجال لإيران منفردة على الأقل في بلد عربي.

مهما كانت المصالح التركية تفترض تقاربًا مع النظام السوري يبقى خيار المعارضة في التوجه للمسار العربي حاجزًا قويًا يدفع بأنقرة للتريث في ذلك، لاسيما أن دولاً عربية عديدة ترتبط مع تركيا بمصالح اقتصادية وأمنية يمكنها التأثير على السياسة الخارجية التركية.

لا يمكننا فرض وجهة نظرنا على أحد، وبالمقابل لا يمكن لأي دولة أو كيان إملاء شروطه وفرض وجهة نظره علينا، وحتى نستطيع ترجمة ذلك على أرض الواقع عمليًا دون أن تكون مجرد عنتريات سياسية لابد لنا من البدء بإصلاح أو تفكيك المنظومة السياسية القائمة على تبادل الطرابيش ومنافع السلطة التي تحولت من تسهيلات واحتياجات إلى أهداف وغايات بحدِّ ذاتها.

لابد من التعامل والاعتماد على أطراف عديدة في بناء تحالفاتنا وشراكاتنا، وألَّا نرتهن في علاقاتنا وقراراتنا لجهة محددة، فضيتنا أكبر من دولة ومن أشخاص، ومن ينظر إليها دون ذلك فقد خان نفسه قبل وطنه.

الثورة السوريةالجامعة العربيةالدول الغربيةالفرص السياسيةالمعارضة السوريةتركياخيارات المعارضةسورياغسان الجمعةلن نصالح