درعا وما بعد التهجير

أحمد وديع العبسي

يستعد اليوم في درعا ما يقارب خمسين ألف شخص ليغادروها، سيتركون بيوتهم، وأهلهم ومدينتهم التي يحبونها، سيهجرون كما هُجرت الكثير من المدن قبلهم، كأن التهجير قدر كل من آمن بالحرية وهتف لها.

حاول أهل حوران ما استطاعوا ليبقوا في بيوتهم، عبر مفاوضات واتفاقيات على مدار عامين، كانوا فيها الأكثر شجاعة ووعيًا، عندما قرروا أن يبقوا في مدنهم وبيوتهم، رغم معرفتهم بإجرام النظام وغدره، وخلال هذه المدّة بقيت الثورة مشتعلة في حوران كلها، كأن درعا في أيامها الأولى، لم ينل من أهلها الخوف ولا التعب ولا شظف العيش ولا نكران الأهل والأصدقاء.

عرف أهل حوران أن التهجير سيكون أكثر مرارةً فقاوموه، وخاضوا معركة تلو الأخرى لكيلا يقع عليهم، وتمسكوا بأرضهم حتى لا تكون كما يريدها النظام جزءًا من سورية المتجانسة، حيث لا أحد يستطيع أن يقول له فيها (لا)، وعرفوا أن الثورة هي رفض الطغيان ومقاومته، لا الهزيمة والانسحاب والصراخ، وترك الطاغية يرتع في البلاد كما يشاء.

اقرأ أيضاً: قسد رهن المظلة الأمريكية

ما فعله أهل درعا استطاع أن يطيل عمر الثورة التي يحاول النظام وحلفاؤه وأدها، لكن يبدو أن المعركة التي تديرها روسيا أكبر من قدرة الأكتاف الشامخة والأيادي المتوثبة، والعيون المتوقدة، التي لم تستطع مقاومة مدافع المعتدين، وإن فعلت.

يبدو أن روسيا متماهية جدًا مع ما يرغب به النظام من السيطرة الكاملة على البلاد، وستكمل ما بدأت به في درعا ليخضع الناس أو ليغادروا أو ليموتوا في سبيل ما يؤمنون به، وليس هناك أي مكان للصلح أو للمفاوضات، وما يجري في كل مكان هو لكسب الوقت فقط.

ما بعد درعا، بعض أحياء حمص التي عقدت اتفاقًا مشابهًا، وبعدها ستعود قضية الطرق الدولية للواجهة ثم إدلب، وأخيرًا بقية مناطق الشمال كاملة.

ربما يمتد الأمر عشر سنوات أخرى، لكن الإستراتيجية واضحة، السيطرة الكاملة تحت النفوذ الروسي، وهذا الأمر إذا لم يتحرك الثوار في مناطقهم الآمنة!! لمنعه فسيأتي عليهم ذات يوم قريب، ولن تنفعهم تطمينات الحلفاء في ذلك الوقت، ولا اتفاقيات خفض التصعيد، ولا حتى اتفاق أضنة، ستعمل روسيا على قضم المناطق بهدوء كبير حتى تأتي عليها بالكامل إذا لم يتغير أي شيء في المعادلة يؤلم الروس ويجعلهم يقنعون بما لديهم، وهذا يحتاج اتفاقًا دوليًا، يحدد مناطق النفوذ ويمنع الروس من التقدم، لكن لا يبدو أن القوى الدولية مهتمة لهذا الأمر على الإطلاق.

لمتابعة كل جديد اشترك في قناة صحيفة حبر على تلغرام اضغط هنا

أعان الله المهجرين أينما كانوا، وصبَّر قلوبهم، فلا يوجد الكثير ممَّا يمكن قوله في أوقات كهذه، فالألم أبلغ من كل الكلمات التي سنكتبها، أو التي سنحتفظ بها كالجمر في صدورنا لتحرق ما تبقى فيها من أشواق وذكريات.

 

أحمد وديع العبسياتفاق درعاالتهجيرالتهجير في درعاسورياصحيفة حبرمدينة درعا