يقول رسول حمزاتوف: “القدر كان طيبا معي.. لم أكن مجنونا ولا أعمى، سوى أني ما زلت أريد رؤية الرغيف بسعر أقل، وحياة البشر بسعر أغلى”.
فالرحمة ليست لونا من الشفقة العارضة، بل هي نبع للرقة الدائمة ودماثة الخلق وشرف السيرة. وبالتأكيد لا يطالب السوريون بالمدينة الفاضلة، التي حاول حكام سيراكوسا بناءها “مدينة أفلاطون”.
هم ليسوا طوباويين إلى هذه الدرجة. لكننا نعيش ونعايش معهم كارثة الزلزال الحقيقية في الأيام المنصرمة. وليس هناك وقت للتفكير بكيفية الانقاذ، بل واجب المحاولة بكل ما أوتينا من قوة وفكر وعدل وحق ورحمة وإحسان، لمنع ما تبقى من أذى عمن لا يزال يعيش تحت الركام ولو بالدعاء وهو أضعف الإيمان. ولا زلت استهجن ذلك التجاوب الخجول والبطيء للأمم المتحدة والمجتمع العربي والدولي مع هذه الكارثة الإنسانية. ألا يكفي ما فعلته آلة الحرب من دمار وقتل وتهجير وتجويع لهذا الشعب المسكين منذ 12 عاما؟! وإلى الآن الدعم للنظام الظالم قائم! والقفز فوق المشكلات بدلا من حلها قائم!؟ على حساب هذا الشعب الفقير والمكلوم، واللعب على عامل الزمن قائم؟! تماما كما تعاملوا مع القضية الفلسطينية، وكيف حولوا الثورة السورية إلى قضية تصب في صالحهم السياسي! بعيدا تماما عن الجانب الإنساني! شوهوا المعنى والجوهر والمضمون! وتعاملوا معها بنفس الدرجة وبنفس الأدوات والقوانين والمعايير! رغم اختلاف الحالة، والظروف التاريخية والموضوعية القائمة.
وكأنما لا تشغلهم الأفكار العظيمة بقدر ما تشغلهم الشخصيات الوظيفية لتمرير مصالحهم السياسية مهما كانت الأدوات لتحقيق غاياتهم السياسة! متناسين تماما أن الحياة محطات، وعليهم التوقف عند كل منها بما فيها حروبهم التي يبتدعونها لتحقيق أهدافهم اللعينة على حساب دماء الشعوب! يا حبذا التوقف ولو لبرهة مع ضمائرهم! ليسمعوا صوت طفل مذعور من تحت الركام، أو صوت فقير معدم يفترش ببسطته المتواضعة الأرض في شتاء قارس ليطعم أولاده الصغار، الذين نكلت بهم الحرب! هؤلاء البشر ليسوا فقراء ولا ضعفاء !بل قادرون على إغراق العالم بإنجازاتهم، لصنع حضارة يعجز عنها تجار الحرب وتجار السلاح. ولا نمتلكها.
هؤلاء هم صناع الحياة بصبرهم وصمتهم، وبصيرتهم وقوة إيمانهم، هم أصحاب الضمير الحي. وهذا العالم الظالم المريض بما يحويه من سياسيين داروينيين يحورون الحقيقة للقفز فوق أشلاء البشر الحقيقيين.
هم من يقتل العالم كل يوم برصاصه حتى ينعيه. ويبقى السؤال الذي يطرح نفسه؟ ترى! هل لا تزال هناك مساحة ليسمعوا رسالة أطفال الركام من تحت الأنقاض؟ قائلين: “تعلموا مواجهة المشاكل، بدلا من القفز فوقها، وتعلموا نزع الفتيل كي لا تتعمق الحفرة ويزيد الطمر، لا ترمونا كنفايات في الطريق، ولا تتجاوزوا الإشارة الحمراء! توخوا الحذر كي لا تصادفوا مزيدا من الجثث المشاغبة. “ونحن أطفال الركام نقولها لكم كما قالها رسول حمزاتوف: “نريد أن نعلن الحب بلدا، ليعيش الجميع هناك في دفئ وسلام، وأن يبدأ نشيده بهذه الكلمات في البدء كان الحب على الأرض”.