من جديد أرَّقت مدينة سوتشي أفكار السوريين وتركتهم تحت سقف المجهول كما هي عادة كل قممها السابقة بين تركيا وروسيا، حيث الغموض والصمت عقب اللقاءات، أو الخروج بالكلام المستهلك الذي حفظه معظمنا، حيث يطبق على أرض الواقع بسيناريو المصالح المتبادلة باسم الشعب السوري ولأجله بلغة مصطلحات ومفاهيم باتت مقروءة سياسيًا وشعبيًا بالتهجير وتغيير المواقع أو الأدوار بين الطرفين على الخريطة السورية.
المشكلة في العلاقة بين البلدين ليست سورية وإدلب، أو قسد ونظام الأسد، بل غالبًا ما يفتح الطرفان كل ملفاتهما على طاولة واحدة تؤدي في الحقيقة لمكاسب روسية على حساب التركية وحلفائها في مشهد سياسي غير مفهوم.
واشنطن تؤكد قتل قيادي بارز في منطقة إدلب
والأقرب لهذه الحقيقة هي سلسلة لقاءات سوتشي وآستانة المتمثلة بهزائم تفاوضية للمحاور التركي من كل زواياها، بالإضافة إلى تسلل روسيا السريع عقب الدخول التركي في ليبيا وبعض دول إفريقيا، وقضية كرباخ وغيرها، الأمر الذي جعل اليد التركية مقيَّدة في تسلسل درامي على الساحة الدولية بالمنافسة الروسية بشكل واضح يعكس للمتابع الطبيعة المعقَّدة والحساسة في علاقة البلدين على كل المستويات، التي تتميز فيها السياسة الروسية بنقاط أساسية عن نظيرتها التركية.
فالتعامل الروسي في الملفات الخارجية يرتكز على القوة العسكرية لروسيا، لذلك هي دبلوماسية جافة وخشنة بالعموم، وتقوم على الوقائع والحقائق، على عكس القراءة التركية للمشهد الدولي، حيث تنطلق في سياساتها من منطلق القوة الناعمة والاستثمار العاطفي بشقيه الديني والعرقي في الشرق الأوسط تحديدًا، وهي منطقة تتقاطع فيها مصالح موسكو وأنقرة بقوة.
من جهة أخرى تدافع موسكو عن الأوراسية التي يؤمن بها بوتين كمرتكز في علاقاته مع دول العالم بقبضة حديدة كونها توازي في أهدافها الأحلام القيصرية، فنطاقها الجيوسياسي في أواسط آسيا وأوروبا الشرقية عاد خطاً أحمر كما كان في العهد السوفيتي بوسائل أقل كلفة وأكثر فاعلية من روسيا.
في حين الفناء الخلفي للعثمانية التركية تم العبث به من قبل الكثيرين، وعلى رأسهم روسيا، ولم تستغل تركيا فرصها في المنطقة كما يجب، وأدى تهاونها في ذلك إلى مزاحمتها في حقوقها التاريخية ونفوذها الجيوسياسي، بل وتأليب الجمهور عليها، وأدى ذلك إلى خسائر إستراتيجية فادحة بسبب التردد وعدم القدرة على تقرير الموقف.
لمتابعة كل جديد اشترك في قناة صحيفة حبر على تلغرام اضغط هنا
وفي سلبية أخرى للسياسة الخارجية التركية، إصرارها باللعب على الحبلين الأمريكي والروسي لتحقيق المكاسب، في حين كلا الطرفين نجح في عدم الوقوع في هذه المصيدة، وانعكست سلبًا على تركيا، يُضاف إلى ذلك أن البنية الداخلية التي يرتكز عليها بوتين هي أقوى من التي يرتكز عليها أردوغان وحزبه، بغض النظر عن نهج السلطة بين البلدين، وهذا الأمر يؤثر على صناعة القرار الخارجي كونه امتدادًا للسياسة الداخلية بنسب وظروف متغيرة.
سيستمر بوتين في الضغط على أردوغان ومطاردة أحلامه واحتوائها، في حين يتعمَّد الأخير إظهار قدر من الصلابة والتظاهر بالتوافق على مضض لحين تحقيق تغير جذري في الموقف الأمريكي من تركيا ومراعاة مصالحها، أو وصول نقطة الضغط الروسية لدرجة الانفجار بالنسبة إلى أردوغان، حيث تتساوى الخسائر مع المكاسب في هذه العلاقة أو تزيد، وهنا تكمن مهارة بوتين في التعامل معه من أجل ألّا يكون أكثر حدة بمواقفه بشكل يعكس ضعف مصالحه.