سايكس بيكو في ذكرى غزو العراق

د. براءة زيدان

 

هل سنترحم على سايكس بيكو؟ في ذكرى الغزو الأنغلو-أمريكي للعراق ٩نيسان ٢٠٠٣م.

يستذكر المرء قول عراب الصهيونية الأمريكي المتصهين برنارد لويس في إحدى كتاباته المنشورة قبل ما يقارب ثلاثة عقود مضت عن طبيعة و مسارات الغزو المستقبلي الصهيو– أمريكي للمنطقة العربية ويقول فيها: إن الحل السليم للتعامل مع العرب المسلمين هو إعادة احتلالهم و استعمارهم، و تدمير ثقافتهم الدينية وتطبيقاتها الاجتماعية،  وفي حال قيام أمريكا بهذا الدور فإن عليها أن تستفيد من التجربة البريطانية والفرنسية في استعمار المنطقة، لتجنب الأخطاء والمواقف السلبية التي اقترفتها الدولتان، وإنه من الضروري إعادة تقسيم الأقطار العربية والإسلامية إلى وحدات عشائرية و طائفية، ولا داعي لمراعاة خواطرهم أو التأثر بانفعالاتهم وردود أفعالهم.

ويضيف: نحن نضمن أن عملاءنا أنجزوا كل شيء ولم يبق علينا إلا التنفيذ الآن، ولذلك يجب تضييق الخناق على هذه الشعوب ومحاصرتها واستثمار التناقضات العرقية، والعصبيات القبلية والطائفية فيها، التي أسس لها حكامهم، لذلك يجب ان تغزوها أمريكا لتدمر الحضارة الإسلامية فيها.

إذًا هذا مخطط محكم تفسره لنا ظاهرة حديثة النشوء، بمعنى أنه لدينا في التاريخ العربي الحديث عدة ظواهر ونماذج تفسيرية لهذه الظواهر بكافة أشكالها وألوانها الاجتماعية، والثقافية، والسياسية.

و هذا ما جرى حقاً و يفسره النموذج الاختزالي التآمري بشكله البسيط و المتعارف عليه وفق المخطط التالي: عندما قدمت لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب الأمريكي مقترحا للتصويت على مشروع تقسيم العراق، ويتعامل مع الأكراد والسنة في العراق كبلدين منفصلين عن بغداد.

وهذا الطرح هو تمهيد مبدئي كان قد صوت عليه مجلس الشيوخ الأمريكي لتحقيق مشروع نائب رئيس أمريكي جو بايدن في تقسيم البلاد إلى أقاليم على أسس طائفية وعنصرية وكذلك قومية.

ويأتي هذا الطرح استكمالا لمشروع كان قد صوت عليه مجلس الشيوخ الأمريكي كشرط انسحاب القوات الأمريكية في ٢٩/٩/٢٠٠٧ من العراق إلى ثلاث دويلات سنية في أجزاء واسعة من وسط وجنوب العراق وكردية بأقصى شمال العراق.

وهذه حقيقة واقعة يخبرنا بها التغير الديموغرافي على الأرض وقد أكدته مجلة التايمز الأمريكية في تقرير موسع من ثماني صفحات نشر بتاريخ ٣٠/٤/٢٠١٥ حول تقسيم العراق إلى ثلاث دول شيعية، سنية وكردية ولعله النموذج ذاته الذي تسعى القيادة الأمريكية لترسيخه في سورية.

وذلك من خلال خلق بؤر جغرافية وديموغرافية على أرض الواقع، وتفتيت الأسرة العربية اجتماعياً وأخلاقياً من الداخل، ومحو اللغة والأصالة العربية، وهذا ما حصل فعلا، حرب، تهجير، نفي، اعتقالات، إذ صار كل فرد من أفراد الأسرة العربية في مكان بعيدٍ عن مسقط رأسه في بلاد النزوح واللجوء، إما يجرفه تيار بلاد اللجوء ويصطدم بالحضارة الغربية، ليعلن تنصله من ثقافته العربية وتراثه وهويته، وإما يبقى متمسكاً بحضارة بلاده وثقافتها، وهؤلاء نادرون جدا، في مرحلة التغريب أو النكبة الثانية للعرب.

فإذا كانت نكبة فلسطين هي النكبة الأولى، فهذه المرحلة التي يعيشها الإنسان العربي حاليا سواء في بلاد الانتقال الديمقراطي أو بلاد اللجوء هي النكبة الثانية.

والأسوأ هو ما ترتبط به هذه المعطيات السابقة مع مصطلح يبين لنا ما يخفيه النموذج أو ما يرمز له هذا النموذج الاختزالي العنصري التآمري وهو مفهوم” اللابشر“، الذي حدده لأول مرة في الكتابات الأدبية جورج أورويل عام ١٩٨٤ و أشار له نعوم تشومسكي لموقف الأنظمة الإمبريالية تجاه العالم، هم البشر حسب مفهومهم، أما ” اللا بشر”، هم جوهر النظام العنصري المتأصل في الأنظمة الرأسمالية التي تظهر في بشاعة سياستها بين فترة و أخرى، من خلال الحروب التي تشنها في مختلف البلدان أو من خلال ما تمارسه هذه الانظمة ضد شعوبها.

حيث نظرة إدارات هذه الانظمة للبلدان التي تقوم بنهبها على مر العصور لا تميز حكامها الوظيفيين عن البقية من شعوبهم، فهم بنظرها ”لا بشر” رغم كل عمليات الخضوع والابتزاز لها، لكن بعد استهلاكهم يتم إما تصفيتهم أو استبدالهم بما يناسب مصالح الدول التي قامت بتعيينهم وهذا يمثل تهديداً خطيراً لحقوق الإنسان، ويُظهر على السطح من السياسات الإمبريالية.

هنا يبرز دور النخبة الواعية لاستيعاب هذا النموذج ومحاولة التخفيف من شروره إذا لم تستطع إيقافه.

وأمام هذه المعطيات السابقة الذكر يبقى السؤال معلقاً؟ هل حقاً سنترحم على أيام سايكس بيكو؟ أمام هذه الخطط الصهيو–ماسونية ليبقى السيد الصهيوني هو المطاع لمجموع ثلاث وأربعين كيان عرقي، ومذهبي و ديني تسعى من خلاله القيادة الأمريكية بالتعاون مع حكامها الوظيفيين في الدول العربية إلى ترسيخه !


إحالات
1- هشام الهبيشان ، اضغط هنا

٢- Mark Curtis , Unpeople , Britain’s Secret human Richts Abuses , published bei Vintage 2004 . P.30

أمريكااتفاقية سايكس بيكوالعراقالنظام السوريبريطانياد. براءة زيدانسايكس بيكوسورياغزو العراق