(شركة للربح) جامعة حلب في المناطق المحررة، قسوة وظلم تجاه الطلاب تضاف لمعاناة الزلازل وصعوبات الحياة

أحمد وديع العبسي

أحاول دائماً أن أتراجع فيما يخص الكتابة حول جامعة حلب في المناطق المحررة، والمؤسسات ذات العلاقة بها، وأفكر ملياً قبل أن أنتقد بعض الأخطاء أملاً في أن يتم التراجع عنها أو مراجعتها، أو عدم ارتكاب أخطاء جديدة تجاه الطلاب تزيد من قسوة الحياة التي يعيشونها في الشمال السوري، ولكنني أجدّ نفسي مضطراً بين وقت وآخر لهذا الحديث الذي آمل أن يجد أذناً صاغية

منذ تولي عبد العزيز الدغيم رئاسة جامعة حلب، ويبدو أن الخلفية الاقتصادية للرجل تجعله يحوّل جامعة حلب إلى مؤسسة استثمارية بحتة، همها الأساسي جني الأموال من جيوب الطلبة وذويهم بكافة الطرق الممكنة، من أجل دفع رواتب جيدة للأساتذة والموظفين والمسؤولين في الجامعة، ورغمّ أن جامعة حلب في المناطق المحررة هي الجامعة الوحيدة التي تتلقى دعماً إلى جانب ما تحصّله من أقساط تعليمية من الطلبة، إلا أنها تعتبر واحدة من أعلى الجامعات أقساطاً في سورية، والجامعة الأعلى قسطاً باعتبارها (جامعة حكومية)، وتعتبر رواتب الموظفين بها (الوظائف العليا) هي الأعلى بحسب بعض المعلومات الواردة إلينا من مصادر موثوقة، وبإمكان الجامعة نفي هذه المعلومة بنشر سلّم الرواتب لموظفيها ومقارنته بجامعات أخرى في المناطق المحررة. وخاصة بجامعة غازي عنتاب في الداخل والتي تحظى باعتراف عالمي …

وأنا لا أذكر هذه المعلومات كانتقاد لرواتب الأكاديميين أو الموظفين في الجامعة، ولكن من المعيب “ربما” أن تكون جامعات النظام معترف بها، ولها قيمة أعلى من جامعة حلب في المناطق المحررة، والأكاديميين فيها يتقاضون رواتب أقل بعشرة أضعاف عمّا يتقاضاه الأكاديميون في (جامعة حلب المحررة)، وإذا سلمنا بالظلم الحاصل في مناطق النظام، فعلينا ألّا ننسى أن وضع الناس هنا لا يحتمل تلك المصاريف الكبيرة التي توضع على عاتق الطلبة من أجل رواتب أفضل للأكاديميين. وللمحسوبين على قيادة هذه الجامعة.

طبعاً الأمور السيئة التي أحدثتها الجامعة كثيرة، واستغلال الطلاب والمعاملة غير اللائقة التي تحدث بين وقت وآخر هي قصة تحدثنا عنها مراراً، من قبل بعض الأساتذة والموظفين الذين يعتبرون أنفسهم أصناماً مقدسة على الجميع تبجيلهم وتقديرهم في إعادة استنساخ للعقليات المريضة في مؤسسات النظام، ولا أريد هنا أن أكرر كثيراً ما يتحدث عنه الجميع، ولكن حسبي بعض الأمثلة التي حدثت مؤخراً، والتي كان أشنعها هو حجب درجات بعض الطلبة بحجة أنهم لم يسددوا نصف قسطهم الجامعي لهذا العام.

في ظل الأزمات المعيشية والكوارث التي كان آخرها الزلازل التي ضربت الشمال السوري والجنوب التركي، وبدلاً من أن تساعد الجامعة طلابها وتساهم في تخفيف مأساتهم المادية والنفسية …، وفي ظل دعوات للإغاثة ومساعدة السوريين في جميع أنحاء العالم، تقوم الجامعة التي قضى بعض من طلابها في الزلزال المدمّر، بحجب علامات من لم يستطع تسديد نصف قسطه السنوي لهذا العام!!! … لا يمكن تصوّر العار واللاأخلاقية والعنف الذي تملّك من أصدر هذا القرار، ومن وافق على تنفيذه.

إن حجم المأساة كان يستوجب إحداث صندوق لدعم الطلاب المتضررين يتبرع فيه القائمين على الجامعة في المقام الأول، لأنهم حملة رسالة العلم والقيم، ويتطلب استقالات أو اعتراضات علنية على الأقل على من أصدر هذا القرار، لا تمريره بانحطاط في ظل هذه الظروف للتأكيد على أنّ الجامعة تحولت لشركة تجارية لا همّ لها إلا الربح، مجردة تماماً من القيم العلمية والأخلاقية والإنسانية!!!!!!!!!!!

بالإضافة لهذا التصرف الأهوج أطلّت علينا الجامعة بقرارين في الفترة الأخيرة يخصان طلاب الدراسات العليا، وهما اشتراط قيد اللغة الإنجليزية وقيد الحاسوب (ICDL) من أجل متابعة الطلاب لقيدهم في دراسة الماجستير، والسبب الظاهر هو تمكين الطلاب من تحصيل علمي يتناسب مع قيمة الشهادة التي يحملونها، رغم أن الكثير من جامعات العالم وفي تركيا المجاورة والتي تعتبر أرقى بمراحل من هذه الجامعة ليس لديها هذه الاشتراطات، وأنا أدرس الماجستير في جامعة غازي عنتاب، ولم يطالبني أحد إلّا بإجازتي الجامعية … لكنّ السبب الحقيقي مع الأسف هو توفير رواتب ومصاريف للمعهد العالي للّغات الذي أحدثته الجامعة، وتوفير وظائف لبعض المحسوبين على قيادتها، ولو كان ذلك على حساب الطلبة.

((طبعاً لا بدّ من ذكر معلومة هنا، هي أنّ تكلفة دراسة الماجستير في جامعة حلب في المناطق المحررة تعتبر واحدة من أعلى تكاليف دراسة الماجستير في الإقليم بالنسبة لجامعة شبه حكومية إذا لم نقل أنها تصنف حكومية تماماً، فالعديد من الجامعات التركية تكلفة دراسة الماجستير فيها أقل، وتكلفة الدراسة في بعض جامعات مصر أيضاً أقل، بالنسبة للمصريين، وتكلفة الدراسة في جامعات النظام أقل، وطبعاً هذه التكلفة تختلف بحسب التخصصات …))

السيء أكثر في هذين القرارين أنّهما – بحسب بعض الطلاب – يشملان جميع الطلاب، حتّى من سجلوا على الماجستير قبل صدورهما، وبالتالي حرمان العديد منهم من السنوات الدراسية والتكاليف والوقت الذي قضوه في الماجستير،  إذا لم يتمكنوا من تجاوز هذه الامتحانات، والتي تُحدد لها رسوم واضحة، لكي يعرف الجميع أنّ الهدف منها هو جمع الأموال لا غير ذلك …

تحدّث لي أكثر من طالب عن المعاناة في هذه الامتحانات، وعن أنهم ربما لم يكونوا ليسجلوا للماجستير لو كانت هذه الاشتراطات سابقة لتسجيلهم، لأنّهم لا يملكون الوقت  للبحث في غير اختصاصاتهم التي يتقنونها، فأغلبهم موظفون أو أرباب أسر، … لكنّ الجامعة تريد جمع الأموال منهم بأي طريقة، ولن تعوّضهم عن الوقت والمال الذي صرفوه من قبل إذا أرادوا أن يتوقفوا عن الدراسة بسبب القرارات الجديدة والمفاجئة، التي لا يجب أن تطبّق عليهم بأثر رجعي لا قانونياً ولا أكاديمياً، إلا من قِبل جامعة تملك سلطة استبداد وابتزاز تجاه الطلاب!!!؟.

طبعاً هذه القرارات يصدرها مجلس التعليم العالي القائم على الجامعة والجامعات في المحرر، شريك الاستثمار في التعليم وتحويله لشركة تجارية رابحة في ظل ظروف الحرب والمأساة والكوارث … !!!

في النهاية يؤسفني أنّ كل هذا يُعتبر غيضاً من فيض .. والجامعة تزداد انحداراً على مستوى القيم والأخلاق الإنسانية والعلمية والمهنية، ولا قيمة تجعلنا نحترم هذه الجامعة إلى الآن سوى طلابها الأبطال الذين يتحملون كل ذلك الظلم والقسوة المرافقة له في سبيل إكمال تحصيلهم العلمي ودعم مؤسسة تعتبر حكومية على حساب العديد من الجامعات الخاصة التي قد توفر لهم شروطاً أفضل للتعليم، فلهم منّا دائماً كل التقدير والمحبة …

 

أحمد وديع العبسيالأقساط الجامعيةالحكومة السورية المؤقتةالماجستير في جامعة حلبجامعة حلبجامعة حلب في المناطق المحررةفساد التعليم العاليمجلس التعليم العاليوزارة التربية والتعليم