صحيفة حبر تحاور الكاتبة السورية ريما فليحان

معتصم الخالدي

 

صحيفة حبر تلتقي السيناريست والكاتبة السورية (ريما فليحان)؛ للإضاءة أكثر على تجربتها في المغترب وبلاد اللجوء، والحديث حول واقع المعارضة السورية اليوم، وبعض الآراء حول الفن والدراما في سورية.

(قلوب صغيرة، وقيود الروح) وغيرها أعمال درامية من كتابتك، أي من هذه الأعمال أقرب لقلبك؟ وهل توقفت ريما فليحان عن كتابة السيناريو؟

“كل عمل درامي له مكانة خاصة لدى كاتب السيناريو، لكن قلوب صغيرة كان أول عمل درامي أقوم بتأليفه كاملًا نصًا وسيناريو وحوارًا، وجزء من القضايا والقصص التي عالجها  مرتبطة ببعض الأحداث الحقيقية و القصص التي عملت عليها أثناء نشاطي في المجتمع المدني وحقوق النساء والأطفال على مدى سنوات طويلة، وجعلت مني ناشطة حقوقية ونسوية؛ لذلك قلوب صغيرة ليس فقط أول عمل لي ككاتبة وسيناريست تأليف وسيناريو وحوار، بل هو أيضًا مرتبط بروحي بشكل كبير، أما (قيود الروح) تأليف مشترك بيني وبين الفنانة والصديقة (يارا صبري).

كتبت نصوصًا عديدة، منها ما اشترته شركات إنتاج ولم ينتج لأسباب تتعلق بالثورة والمواقف السياسية ربما مثل مسلسل للأطفال بعنوان: (شمس جديدة).

الروائية السورية ابتسام تريسي في لقاء مع صحيفة حبر

وهناك أعمال كتبت جزءًا منها ولم أتمكن من تسويقها بسبب موقفي السياسي والمنع الذي فُرض علينا في بداية الثورة.

آخر ما كتبته كان مسلسلاً إذاعيًا لراديو روزنة، يتم تسجيله حاليًا بعنوان: (برا وجوا)، وهناك مشاريع جديدة ربما ترى النور قريبًا.

(يم مشهدي، وأمل حنا، ورانيا بيطار) كاتبات سيناريو معروفات للجمهور، أي منهنَّ استطاعت أن تصل لقلب المشاهد أكثر من غيرها؟ ولماذا برأيك؟

“هذه آراء شخصية يقدرها الجمهور، لكن برأيي اعمال (يم مشهدي) مميزة للغاية، وقادرة على مخاطبة كل شرائح المجتمع وتتميز بالعمق والجاذبية”.

شاعت أخبار عن عملك كسائق حافلة (باص) لنقل اللاجئين الجدد في أستراليا مكان إقامتك الحالي، في السياق ذاته صرَّحتِ لإحدى وسائل الإعلام بالقول: “على الرغم من التعب إلا أن شعوري بالسعادة لتمكني من تقديم المعونة للهاربين من الموت من مختلف القارات حول العالم يشعرني بالرضا النفسي” لو تتحدثين للقراء أكثر عن هذه الفترة من حياتك؟

“في بداية وصولي لأستراليا انغمست في الدراسة والعمل، ودرست المشورة النفسية وعملت في ما يسمى( caseworker)  في منظمة تستقبل اللاجئين من كل العالم، وهو عمل يتطلب مني كعامل ملف الاعتناء بالأسرة التي يبدأ عملي معها منذ وصولها للمطار وإيصالها للمنزل (بالفان) الذي قد أقوده أحيانًا حين تكون الأسرة كبيرة، ثم تسجيل الأسرة بالخدمات المقدَّمة من الحكومة ونصحها وتقديم المعونة لها حتى تتمكن من الاعتناء بنفسها وهذا للتوضيح، بمعنى أنه لستُ سائق باص بالمعنى الحرفي للكلمة، عملي مع اللاجئين من كل العالم يعطيني شعورًا بالسعادة، وهذا العمل استمر لثلاث سنوات، ثم أصبح عملي في مجال العمل على مساعدة المجموعات الاجتماعية على التواصل والاندماج وتمكينها من التعبير عن الثقافات المتنوعة في الولاية التي أعيش بها عبر الفعاليات الثقافية والتوعوية.

بعد ذلك بدأت بالعمل في تقديم المشورة النفسية في منظمة تقدم الدعم النفسي للاجئين وطالبي اللجوء الذين تعرضوا للصدمات النفسية والتعذيب، وهو العمل الذي ما زلت أزاوله حتى اللحظة”.

(حين شرعت الجدران بالكلام )، كتاب لكِ في محاولة لتوثيق بدايات الثورة السورية، إلى حد ما كم هو رضاك عن انتشار الكتاب وردود الأفعال بعد نشره؟

“(حين شرعت الجدران بالكلام) هو كتاب يوثق مفاصل مهمة شهدتها وعايشتها منذ بدأت الثورة وخلال السنوات الأربع الأولى منها، ممَّا دفعني لمحاولة توثيق تلك البدايات المهمة في تاريخ البلاد الكتاب طبعه اتحاد الديمقراطيين السوريين ونشرته الأيام السورية أونلاين، وأظن أنه لم ينتشر كثيرًا كما كنت أرغب”.

عام 2012 وفي إحدى المقابلات صرَّحتِ بأن “بيئة عمل المعارضة بيئة بشعة وموبوءة وغير صحية للعمل من أجل سورية ديمقراطية “، اليوم تعيش المعارضة السورية حالة من الضعف والانقسام، كيف تفسرين ذلك؟ وما الذي أوصل المعارضة السورية لهذا الحال؟

“ما صرحت به في عام ٢٠١٢ ما يزال قائمًا حتى اللحظة، لكن هذا لا يعني أن كل شخصيات المعارضة سيئة أو غير وطنية، لكن ما قصدته بتصريحي شريحة محددة تسببت بشكل كبير إلى ما وصل إليه الحال، والسبب في ذلك يعود لسيطرة الإسلاميين على المشهد السياسي ومحاولة خنق وإبعاد كل ما هو ديموقراطي وعلماني عبر الضغط والتهميش والتشويه، بالإضافة إلى  تبعية بعض القوى  لأجندات إقليمية  متنافرة و وجود التجاذبات الدولية والنزاع على المصالح، وفشل المجتمع الدولي في إحداث تغيير إيجابي للمشهد، لم تنضج المعارضة من التجارب التي خاضتها، ولم تحدث تغييرًا حقيقيًا في سلوكها،

ما قتل الثورة هو عسكرتها وأسلمتها، ونظام مجرم لا يتردد في ارتكاب كل جرائم الحرب والانتهاكات؛ ليستمر قام بدوره بالدفع نحو العسكرة وبإدخال قوى ودول تزيد تعقيد المشهد، كما استهدف القوى السلمية والمدنية والديموقراطية؛ لأنها تعرّي حججه وتقف بوجه البروغبندا التي يروجها، التي ساعدته المعارضة على ترسيخها من خلال سلوكها ذلك، وزاد التعقيد من المشهد دخول مجموعات متطرفة كطرف ثالث على الأرض السورية ساهمت بقتل السوريين وخنق أحلامهم بدورها، واستفاد النظام من وجودها هذا لإحداث تغيير وخلط بالأوراق في الرأي العام الدولي”.

شهد شهر نيسان عام2014 استقالتك النهائية من الائتلاف، منذ ذلك الحين غابت (ريما فليحان) عن النشاط السياسي، بالإضافة إلى عدم وجود أي نشاط في لجان التنسيق المحلية؛ لماذا اخترت الانعزال بعيدًا عن الساحة السياسية السورية؟

“استقلت من الائتلاف لأنني لم أكن قادرة كغيري من الشخصيات الديموقراطية فيه على إحداث تغيير إيجابي داخله بسبب الخلل البنيوي في تركيبته، والأسباب التي ذكرتها من قبل، ولم يتجاوز  وجودي بالائتلاف عام واحد فقط، وكنت على قناعه بأن المشهد السياسي المعارض عمومًا بسبب العوامل نفسها غير قادر على إحداث تغيير إيجابي يحقق تطلعات الشعب السوري، بالإضافة إلى أن فشل مفاوضات جينيف في جولتها الأولى التي كنت فيها جعلني أعتقد أن الحل السياسي بات بعيدًا، وأن الحرب ستتصاعد، وأنا شخصية سلمية لا تشبهني تلك المرحلة لأكون سياسية فيها، لم أكن راضية على انضمام مجموعات تمثل العسكر للائتلاف، ولا بتعاطي الائتلاف مع الانتهاكات التي ترتكبها بعض الفصائل المحسوبة على المعارضة أيضًا، يضاف إلى كل ذلك حملات التشهير والافتراءات الممنهجة التي استهدفتني بسبب توجهي العلماني والديموقراطية لكوني امرأة ولأنني كنت أقف بشكل واضح ضد العسكرة والأسلمة، لذلك قررت الابتعاد عن المشهد السياسي، لكنني ما زلت أنشط في مجال العمل النسوي والحقوقي والإعلامي من خلال مقالات الرأي التي أكتبها ومازلت أؤمن بالحراك السلمي للتغيير الديموقراطي والخلاص من الاستبداد”.

عبر صفحتك على تطبيق Facebook للتواصل الاجتماعي تحرصين على إبداء رأيك بما يحدث في السويداء المدينة التي تنحدرين منها بالطبع، وتنتقدين بعض المواقف والتشكيلات الشعبية هناك، هل لديك مخاوف من محاولات تشكيل (كانتون درزي) يقوم بعزل المدينة عن الوطن الأم؟

” لدي مخاوف من كل من يحمل السلاح في سورية والسويداء جزء منها، حيث بقيت محافِظة على سلميتها لفترة طويلة، ولا أتمنى أن يتغير ذلك، أخشى من جرّ السويداء لاقتتال أهلي ودفعها خارج الحل السوري الشامل.

هويتي سورية وانتمائي للسويداء هو انتماء اجتماعي وثقافي وليس هوياتي أو سياسي، أنتمي لقيم السويداء الاجتماعية، لكن أؤمن بسورية وطنًا حرًا يتسع لكل مواطنيه ومواطناته دون أي تمييز”.

برأيك من هو أفضل كاتب سيناريو سوري اليوم؟ وهل الدراما السورية تعيش أزمة؟

” لا يوجد أفضل كاتب سيناريو، هناك كاتب أو كاتبة  يبدعان في عمل ما، ويبدع آخر في عمل آخر، لا يوجد لدي مثل هذه التصنيفات، وأفضل الأعمال التي تقترب من هموم الناس وأوجاعها ولا تحتال عليها، الدراما السورية تأثرت للغاية بما حصل في سورية ويتم التحكم بإنتاجها حسب رغبة المنتج وسوق الإنتاج، وهو ما يبعدها في كثير من الأحيان عن مجتمعها، ومع هذا دائمًا هناك أعمال مميزة، وتفتقد الدراما عمل الكثيرين ممَّن أُبعدوا قسرًا عن العمل بسبب الموقف السياسي، ولا يتم إنتاج أعمالهم في حال قاربت الواقع وأرادت التعبير عنه”.

غادرت من عمان إلى أستراليا عام 2014، كيف مرت سبع سنوات من الغربة على ريما فليحان؟

“سنوات قاسية للغاية مرت عليّ في البداية بسبب الشعور بالعجز أمام هول الكارثة التي تحل بالسوريين، أيضًا العزلة نوعًا ما وخاصة بالبدايات، والمجهود الكبير الذي كان عليّ أن أبذله كأم ترعى أبناءها وحدها من أجل الوقوف على قدمي مجددًا والعناية بولدي ودفعهما للمثابرة والاندماج، عانيت كثيرًا من الحنين للوطن والألم لما يحصل فيه، لكنني عملت دون توقف منذ وصولي واستطعت تأسيس بداية جديدة، أي بالمثابرة والجهد والعطاء للمجتمع الأسترالي الذي احتضنني، وتمكنت فيما بعد من تكوين صداقات والتطور في عملي،  وأولادي اليوم يوشكون على التخرج من الجامعات بتفوق وتميز على الرغم من البُعد الجغرافي عن وطني، إلا أن سورية لاتزال تعيش بداخلي بكل لحظة، ومازال الحنين يعتاش على يومياتي وأحلامي وهواجسي”.

مدينة السويداء يلقبها السوريون بسويداء القلب، وهي وسورية بشكل عام تمرّ بمرحلة حساسة وصعبة، لا سيما الأوضاع الاقتصادية والمعيشية والأمنية، كيف تشاهدين ما يحصل اليوم؟ وما رسالة ريما فليحان للسويداء خاصة وللسوريين عامة؟

“الظروف صعبة على كل السوريين وليس فقط السويداء، لكن رسالتي لمحافظتي الغالية هي التمسك بالقيم  والسلمية والوقوف بوجه أي مخططات قد تهدف لزعزعة السلم الأهلي داخل المحافظة أو مع جوارها، وأجزم أن السويداء أثبتت وجود هذا الوعي طوال السنوات التي مضت، على الرغم من حصول بعض الإشكالات بين الحين والآخر، ولا أظن أنهم بحاجة لمثل تلك النصيحة؛ لأنهم يدركون ذلك، وأتمنى أن يكون هناك حل سياسي للسوريين يحقق السلام و تطلعاتهم في دولة ديموقراطية مدنية تتحقق فيها كرامتهم وحقوقهم دون تمييز وحريتهم ويتخلصون من خلالها من كل أشكال الاستبداد”.

 

أديبة سوريةالنظام السوريريما فليحانسورياصحيفة حبرلقاءات صحيفة حبرمعتصم الخالدي