صحيفة حبر تلتقي الفنانة السورية عزة البحرة

معتصم الخالدي

 

التقت صحيفة حبر الممثلة السورية عزة البحرة، التي كشفت لنا عن السبب وراء تركها مهنة الصحافة ودخولها عالم التمثيل، وكيف تقيِّم واقع الدراما السورية اليوم، ورأيها بالمعارضة السورية، والمزيد في الحوار التالي.

بدأت عزة البحرة مسيرتها المهنية صحفية، ثم انتقلت للتمثيل، لماذا اخترتِ الابتعاد عن الصحافة ودخول عالم الفن؟

“طموحي كان دخول عالم التمثيل، لكن الظروف العائلية وقرب والدي (نصر الدين البحرة) من الوسط الفني والأدبي جعله يمانع دخولي المجال الفني والعمل فيه؛ لكثرة مشاكل الوسط الفني ومتاعبه.

أحببت الصحافة وعملت بها قرابة عشر سنوات، إلا أن هاجسي الأول كان مهنة التمثيل، وانطلاقتي الأولى كانت مع المخرج (عبد اللطيف عبد الحميد) في فيلم (ليالي ابن آوى).”

اتخذت موقفًا مؤيدًا للثورة السورية، بعدها تحديدًا في عام 2014 أعلنتِ خروجك من المعارضة السياسية السورية، ما السبب المباشر لذلك الخروج؟ وكيف تفسرين حالة المعارضة السورية اليوم؟

“غادرتُ سورية صيف عام 2012، وشاركت في العديد من المؤتمرات السياسية المعارضة للنظام، وحاولنا التأثير عبر عدة فعاليات، كالمنبر السوري الديمقراطي، والاتحاد الديمقراطي، إلا أن ضياع البوصلة وتشتت المعارضة السورية دفعني للانسحاب من صفوفها؛ والحقيقة الوحيدة الماثلة أمامنا اليوم أنه نتيجة الاستقطاب الحاد والتحزب والفئوية فشلت المعارضة في خلق حالة ثقة بينها وبين جمهور الثورة، وتحولت لمعارضات متفرقة ومتناحرة، ولاشك أنها أساءت للثورة السورية وللسوريين عمومًا، ولم تقدم شيء يذكر ولا برنامج حقيقي وواضح لسورية، وانشغلت بتنفيذ أجندات ومصالح دول إقليمية ودولية”.

(حمام القيشاني، وأخوة التراب، والهروب) وغيرها من الأعمال الدرامية والسينمائية التي شاركتِ بها، أي أعمالك يلامس وجدانك أكثر؟ وكيف ترى عزة البحرة واقع الدراما السورية اليوم؟

“كل أعمالي قريبة مني وجسدت الكثير من الأدوار دائمًا ما كانت تمثلني وتمس شيئًا بداخلي، الدراما السورية اليوم تعيش أزمة، وهي للأسف مرهونة للإنتاج وشروط التوزيع، ومن المعروف أن المحطات الخليجية هي من تملك المال لتشتري الأعمال، لذلك أحيانًا تفرض بعض الوجوه الفنية وتتدخل في طبيعة العمل، وهذا أدى إلى تنميط الدراما ودورها؛ وخلال عشر سنوات من المأساة السورية ابتعدت الدراما عن تصوير الواقع السوري كما هو، وفشلت في نقل هموم ومعاناة السوريين الحقيقية؛ لذلك هي منفصلة عن الواقع للأسف”.

رشحتكِ المخرجة التونسية (كوثر بن هنية) للعب دور في فيلمها (الرجل الذي باع ظهره) وكنتِ ستتقاسمين البطولة مع الممثلة العالمية (مونيكا بيلوتشي)، لكن المشاركة أُلغيت لعدم تمكنك من دخول تونس للتصوير، لو توضحين للقرّاء أكثر حول ذلك الموقف، وهل ترين عدم المشاركة فرصة ضائعة؟

“لم أستطع المشاركة نتيجة عدم منحي تأشيرة دخول للأراضي التونسية، والوقت كان قصيرًا أمام كادر الفيلم لبدء التصوير والعمل عليه، فرصة كانت مهمة بالنسبة إليّ لعدة أسباب منها أن الفيلم وصل لترشيحات الأوسكار العالمية، وهذا أمر مهم لأي ممثل وممثلة، لأنني أبعدت على مدار سنوات الحرب وذلك لمواقفي الرافضة لسلوك النظام تجاه شعبنا وأهلنا في سورية، فكانت مشاركاتي الدرامية قليلة جدًا، لذلك بالطبع أراها فرصة مهمة وضاعت”.

صرَّحتِ في العام 2013 بالقول: “إن الفنانين في سورية هم نسيج غير متجانس وغير متشابه، وهم يشكلون نماذج وثقافات مختلفة”، ماذا كنت تقصدين تمامًا من ذلك التصريح؟

“الناس بالعموم لا يتشابهون، والوسط الفني كالمجتمع السوري فيه أطياف مختلفة ونماذج مختلفة، والفنانون بطبيعة الحال ينحدرون من بيئات وثقافات لا تشبه بعضها البعض، فالاختلاف موجود وحقيقي، وعلى هذا لا يمكن وضع معيار واحد للجميع أو لمواقف البعض منهم، وعلى أي حال فالفنانون في سورية منهم الموهوب غير المثقف، ومنهم المتعلم، وغير المتعلم وهكذا؛ لذلك هم بالطبع نسيج غير متجانس”.

مصطلح (النجم) بات يستخدم في يومنا هذا بشكل فوضوي في مجال الفن والأدب، برأيك ماهي مقومات النجم الحقيقي؟ ولو تعطيننا مثالاً عن نجم سوري حقيقي في مجال الدراما والفن؟

“يوجد معايير للنجم، كالموهبة التي يمتلكها ليبدع في أدوار معينة ويبرز في أخرى، والكاريزما (الحضور)، في السابق كان من الصعب أن يكون الممثل نجمًا ويتطلب ذلك الكثير من التعب والجهد والصبر، اليوم بات انتشار الممثل أسهل نتيجة وجود مواقع التواصل الاجتماعي وانتشارها ووصولها للعالم أجمع.

بالنسبة إليّ تظافر الجهود في العمل الدرامي وارتباطها من النص إلى الإخراج وصولًا للإداء هو من يصنع النجم، فعندما يكون العمل الدرامي قويًا ومتماسكًا أشاهده كعمل متكامل لا من أجل فنان معين، ولدينا العديد من الممثلين النجوم كجمال سليمان ويارا صبري وغيرهم هم مثال على الممثل النجم”.

العديد من الفنانين انحازوا لثورة الشعب السوري أمثال يارا صبري وفارس الحلو وغيرهم طبعًا، ماذا قدَّم الفنانون المعارضون للنظام للقضية السورية غير الموقف الأخلاقي؟

“دعنا نتفق بداية أن الموقف الأخلاقي أمر مهم وإيجابي، لكن الوضع السوري معقد ومتشابك لأبعد حد، وأعتقد أن الفنان لا يمكنه أن يعطي إلا الموقف ليس بوسعه تقديم حلول، وأساسًا الحلول خرجت من أيدي السوريين منذ وقت طويل، لذا التقييم في مثل هذه الحالة لا جدوى منه، حتى الموقف الأخلاقي نسبي جدًا، وهناك وجهات نظر مختلفة ومتباينة فضلًا عن أن المصالح الشخصية لها دور في اتخاذ المواقف وإعلانها”.

أبريل الماضي رحل والدك السيد (نصر الدين البحرة) تعازينا الحارَّة بدايةً، كم هو مؤثر غياب قامة سورية وأدبية كنصر الدين البحرة؟ وكيف كانت أيامه الأخيرة؟

“رحيل والدي كان مؤلمًا بشكل كبير خاصة أنه عانى من فيروس كورونا وتطور لاحقًا لفشل كلوي وتوفي إثر تلك المضاعفات، المحزن والمؤلم أننا في الغربة ولم نتمكن من رعايته أو الوقوف بجانبه في محنة المرض، وهذا شكَّل بالنسبة إليّ معاناة كبيرة”.

نظرًا لحجم المأساة السورية لم نشاهد أعمالاً سينمائية كبرى تواكب كل تلك التراجيديا والحرب في سورية، ما سبب غياب السينما أو الأعمال السينمائية الكبيرة عن تجسيد الواقع السوري؟

“يوجد مؤسسة السينما السورية يتحكم بها النظام وتنفذ أعمالاً سينمائية تعكس وجهة نظر النظام السوري، كأعمال نجدت أنزور، وجود سعيد وغيرهم، وهي بكل تأكيد أعمال لا تنقل ما جرى بأمانة ومهنية، أي أنها أعمال مسيسة وتخدم أجندات النظام فقط، في الجانب الآخر منذ البداية تخوَّف المنتجون من إنتاج أعمال تحاكي الثورة، وذلك نتيجة رفض شركات التوزيع والمحطات التلفزيونية شراء أي من تلك الأعمال، فالمنتج لا يغامر برأس ماله وينتج أفلامًا ومسلسلات تروي أحداث الثورة وتروج لها، لكنها لا تباع وغير مرغوب فيها من قبل محطات التلفزة التي تدفع قيمة الإنتاج، لذلك لم نشاهد أعمالاً كبيرة تجسد الواقع السوري”.

من دمشق إلى لندن، سنوات طويلة من الغربة، كم تشتاق عزة البحرة لدمشق؟ وماذا تقولين لها؟

“تسع سنوات من الغربة قضيناها أنا وعائلتي تنقلنا بين عدة دول وعواصم، لكن بقيت دمشق في القلب وسورية في البال دومًا، أشتاق لذكرياتنا في بيوت دمشق الدافئة ولصورنا في حاراتها وشوارعها؛ كلي أمل بأن نعود يومًا ما إلى سورية ونهتف مع الشعب السوري (واحد.. واحد.. واحد الشعب السوري واحد)؛ هذه أمنيتي وأملي أن أرى سورية واحدة موحدة وحرة”.

أخوة الترابالرجل الذي باع ظهرهالمعتصم الخالديالهروبحمام القيشانيسورياصحيفة حبرعزة البحرةكوثر بن هنيةمونيكا بيلوتشي