بعيدًا عن زحمة المدينة وضوضائها، لم يكن من الصعب علينا الوصول إلى السوق الشعبية القديمة في مدينة إدلب، إلى زقاق المكانس تحديدًا، الذي سُمي بهذا الاسم نسبة إلى محلات صناعة المكانس اليدوية المنتشرة فيه، التي تعمل بهذه المهنة القديمة فقط.
أصالة وتراث صناعة مكانس القش بإدلب
وتعود صناعة مكانس القش اليدوية إلى أكثر من سبعين عامًا، ويعمل فيها عدد كبير من الحرفيين، وبحسب (عبد المجيد حربا)، أحد صانعي مكانس القش فإنه “كان يوجد في مدينة إدلب لوحدها ما يقارب خمسين دكانًا وورشة لتصنيع مكانس القش وبيعها، لكن بسبب الأوضاع العسكرية وحركات النزوح في المنطقة، تقلصت تلك الورش إلى أقل من عشرة، وباتت حكرًا على عدد قليل من الحرفيين القدامى.”
وأضاف (الحربا): أعمل في هذه الحرفة منذ خمسين عامًا، وقد ورثتها عن أبي الذي ورثها بدوره عن جده، فهي مهنة العائلة عمومًا ولطالما ارتبطت صناعتها بها، أتنفس منها الأصالة والتراث، وأحافظ عليها من وأعلمها لأولادي ولمن يرغب، وتبقى أفضل من لا شيء في ظل قلة فرص العمل حتى ولو كان مدخولها المادي قليلاً بعض الشيء.”
مراحل تصنيع مكانس القش
بين أكوام القش ومع كأس الشاي الذي يعدُّ من ضروريات العمل، يحدثنا (أحمد) أحد الحرفيين وهو منهك في العمل حول مراحل صناعة مكنسة القش قائلاً:
“نقوم أولاً بجمع أعواد القش ثم فرزه بحسب جودته وثخانته، وثم نجمعه ضمن خيط متين وقص الزائد منه ليتم تنسيق شكل المكنسة، وبعدها تأتي مرحلة التكبيس عبر طرقها (بالقدوم)؛ لتأخذ شكلها المعروف، وأخيرًا خياطتها بشكل متين جدًا، ويستغرق إنتاج المكنسة الواحدة ما يقارب 15 دقيقة بحسب حرفية العامل وخبرته، ويتم بيعها للمحلات أو الزبائن بسعر خمس ليرات تركية للمكنسة الواحدة.”
رغم الصعوبات متمسكون بحرفتنا
وردًا على سؤالنا عن أبرز الصعوبات في مجال العمل، يجيبنا (عبد المجيد حربا): “نواجه صعوبة بتأمين القش بالدرجة الأولى بعد أن سيطرت قوات النظام على مصدره الرئيس في سهل الغاب بريف حماة الغربي، وحاليًا على الإنتاج المحلي الذي يكون مرتفع الثمن وكمياته قليلة نسبيًا، فضلًا عن ضعف سوق التصريف وغلاء المواد الأولية، لكن رغم كل الصعوبات متمسكون بمهنتنا ومهنة آبائنا، ولا نجد بُدًا من العمل بها، فأنا شخصيًا لا أجيد العمل بغيرها أساسًا.”
سوق التصريف وإقبال الناس
وتشهد صناعة مكانس القش اليدوية إقبالاً ضعيفًا نتيجةً لضعف الطلب عليها بسبب غزو البضائع الأجنبية والمكانس الكهربائية أو حتى المكانس البلاستيكية.
ويقتصر بيع مكانس القش عادةً على زبائن قليلة، حيث تحدثنا السيدة (منى أم أحمد) قائلة: “تربيت على مكنسة القش، وأحب التنظيف بها واشتريها بشكل دائم، بل وأهديها لأولادي، وتُعدُّ من أولى (جهازات العرس) في عاداتنا، لأنها تتناسب بشكل جيد مع فرش البيت في فصل الشتاء خاصةً السجاد).”
الجدير بالذكر أن مدينة إدلب تشهد تضخمًا سكانيًا ملحوظًا، وتتنوع فيها الحرف والصناعات.