ترجمة| ضرار الخضر
تحدث موقع مشروع الإبلاغ عن الجريمة المنظَّمَة والفساد OCCRP الأمريكية في تقرير لها عن ضبط شحنة مخدرات في اليونان مرتبطة بعصابة الأسد في سورية التي أصبحت القلب النابض بتجارة المخدرات.
وبحسب التقرير الذي ترجمته صحيفة حبر فإنه في أواخر سنة 2018، ضبطت السلطات اليونانية سفينة محملة بشحنة من القنَّب والكبتاغون يزيد ثمنها على 100 مليون دولار، في دليل على تجارة المخدرات المزدهرة في الشرق الأوسط التي أذكتها الحرب السورية.
وكشف التحقيق في السفينة عن شبكة من المجرمين المرافقين للشحنة على صلة بعائلة الأسد، وعصابة أخرى في ليبيا وشركات وهمية مُسجَّلَة في لندن.
ففي مساء الثاني من كانون الأول سنة 2018، أبحرت سفينة الشحن “نوكا” من مينا اللاذقية السوري متجهة الى شرق ليبيا.
وكانت السفينة مُحَمَّلَة بالبضائع لاثنين من الوكلاء من خارج دمشق، رغم أن شحنتها الرسمية لم تظهر في أي سجل رسمي.
ووُجِدَت فيها شحنة بقيمة 100 مليون دولار مخبأة في حاويات شحن مزدوجة تحمل الحشيش والكبتاغون؛ وهو منشِّط اصطناعي شائع الاستخدام في أجزاء من الشرق الأوسط.
وبعد مرورها بقبرص مباشر أطفئت نوكا نظامها الآلي لتحديد الهوية، وهو الجهاز الذي يحدد موقعها بالنسبة للسفن الأخرى المستخدمة لتجنب الاصطدامات، لكن بعد بلاغ بمساعدة طائرات فرونتكس -وكالة الحدود الأوروبية وخفر السواحل- اعترض خفر السواحل اليوناني السفينة التي ترفع العلم السوري في 5 من كانون الأول خلال مرورها بجزيرة كريت، وبعد التفتيش صادروا المخدِّرات واعتقلوا الطاقم المكوَّن من 11 شخصاً.
حتى ذلك الوقت كانت هذه أكبر عملية مصادرة للكبتاغون في اليونان والثانية للقنب منذ نحو 25 سنة، وهذا دليل على ازهار تجارة المخدرات عبر البحر التي وصلت الى عصرها الذهبي في حوض المتوسط مع الفوضى التي انتشرت في أعقاب ثورات الربيع العربي.
الكبتاغون هو الاسم التجاري لمُرَكَّب الفينيثيللين هيدروكلوريد، الذي أُنتِج في ألمانيا الغربية في الستينات كعلاج لاضطراب نقص الانتباه والخدار والاكتئاب، وبعد حظره في الثمانينات بدأت حبوب الكبتاغون المزيفة بالظهور في الشرق الأوسط، وخاصة في دول الخليج مثل العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وقطر، ومؤخراً لدى المقاتلين في سورية.
وعادة ما تختلف حبوب الكبتاغون المُنتجَة بشكل غير قانوني عن الصيغة الأصلية، حيث تضيف الى تركيبها الأمفيتامين ومواد مثل الكافيين والثيوفيلين والباراسيتامول، لكن يبقى شكل الأقراص شبيهاً بالأقراص الأصلية، وحصل شعار “C” المزدوج على كل قرص كبتاغون على لقب “أبو هلالين”.
ومنذ أن احتدم الصراع قبل أكثر من عقد من الزمن، تطوَّرَت سورية لتصبح المورِّد الرئيسي للكبتاغون في المنطقة، وعلى مدى السنوات القليلة الماضية، صودِرَت العديد من شحنات الكبتاغون القادمة من اللاذقية في الموانئ الليبية والإيطالية واليونانية والرومانية.
وضُبِطَت أكبر شحنة في مينا ساليرنو بالقرب من نابولي في شهر حزيران سنة 2020، وبلغت الشحنة المضبوطة أكثر من 14 طناً من الكبتاغون تُقدَّر قيمتها بمليار يورو.
ومع تنامي هذه التجارة، بدأت تظهر مزاعم بتورط شخصيات وميليشيات شديدة القرب بالنظام السوري.
والآن بعد البحث في وثائق المحاكم اليونانية والإيطالية والليبية وبيانات تسجيل الشركات وبيانات تتبع السفن، ومن خلال إجراء مقابلات مع مسؤولين وخبراء في فرض القانون، كشف مشروع الإبلاغ عن الجريمة المنظَّمَة والفساد ومشروع التقارير الاستقصائية في إيطاليا عن تفاصيل تُنشر لأول مرة حول شبكة من المجرمين السوريين وشركات وهمية مرتبطة بـ”نوكا” وتجارة الكبتاغون الأوسع.
تبدأ كل المسارات من مدينة اللاذقية السورية، وهي مدينة ساحلية على البحر الأبيض المتوسط وتخضع لسيطرة مشددة من الفرقة الرابعة سيئة السمعة التابعة للجيش السوري، ويقودها شقيق الرئيس السوري؛ ماهر الأسد.
ووجد الصحافيون أن مالك “نوكا”، رجل سوري يُدعى طاهر الكيالي” وهو يقيم الآن في اللاذقية، أُدين في إيطاليا سنة 2015 بسرقة وتهريب يخوت فاخرة، ولكيالي علاقات بمضر الأسد، ابن عم بشار الأسد، الذي تدير شركته مرسىً ومجمعاً سياحياً في اللاذقية، حيث يدير كيالي كافيتريا.
وتكشف وثائق محكمة في بنغازي في ليبيا الكثير من التفاصيل عن عمليات العصابة الممتدة من سورية الى ليبيا والتي تقول الوثائق أنها كانت على أهبة الاستعداد لاستلام شحنة نوكا، وحُكِم على أربعة من أعضاء العصابة بالإعدام رمياً بالرصاص لدورهم في عملية نوكا وغيرها من الشحنات الى ليبيا.
عاش مالك السفينة نوكا، طاهر الكيالي وعمره 60 عامًا في تورينو بإيطاليا مع زوجته الإيطالية وطفليه قبل الانتقال إلى اللاذقية في عام 2015. وأثناء وجوده في إيطاليا، أُدين كيالي في قضيتين جنائيتين منفصلتين.
وفقًا لتقرير صادر عن وكالة أنباء آدنكرونوس عام 2007، اعتقلته الشرطة الإيطالية لقيادته عصابة قامت بتهريب سيارات فاخرة مسروقة من ميناء روتردام في هولندا إلى دول من بينها الإمارات العربية المتحدة واليابان.
كما أدين في عام 2010 بتهمة تكوين جماعة إجرامية وتلقي وبيع سلع مسروقة، لكن صدر عفو عنه لاحقًا.
وظهرت قضية أكثر خطورة في عام 2013، عندما أصدر قاض في بيسارو، على ساحل البحر الأدرياتيكي الإيطالي، أمرًا باعتقاله. جاء ذلك بعد أن كشفت عملية للشرطة كيف قامت عصابة دولية بتهريب اليخوت الفاخرة المسروقة عبر حوض البحر الأبيض المتوسط.
يُظهر حكم مؤلف من 163 صفحة حصلت عليه شركة إيربيميديا أن كيالي مع شخص سوري آخر أمروا بسرقة اليخوت من خلال شركاء إيطاليين نظَّموا السرقات في الموانئ الإيطالية، ثم نقلوا القوارب المسروقة إلى دول مثل كرواتيا أو مصر أو اليونان.
في حين أشارت الشرطة الإيطالية إلى كيالي على أنه زعيم هذه المجموعة واتهمته بالسرقة والتعامل مع بضائع مسروقة، وفي كانون الثاني 2015، حُكم عليه غيابيًا بالسجن لست سنوات ونصف لكنه كان قد انتقل إلى اللاذقية، ولم يُقبَض عليه أبداً.
وتنقل الصحيفة بحسب التقرير الذي ترجمته صحيفة حبر أن كيالي، الذي تواصلت معه الصحيفة عبر البريد الإلكتروني قال: إنه أُدين بالفعل بالجرائم، لكن التهم لم تفسِّر ما جرى على النحو الصحيح، ووصف إيطاليا بأنها “دولته الثانية”، وقال إنه في حالة السيارات الفاخرة المسروقة، فقد اشترى فقط سيارة BMW X6 من شخص أعلن لاحقًا لشركة التأمين أنها مسروقة.
وقال إن قضية سرقة اليخوت تستند إلى سوء فهم نابع من حقيقة أن بعض الأشخاص حصلوا على يخوت في إيطاليا ثم سافروا بها إلى الشرق الأوسط “باستخدام أوراق تعتبر هنا صحيحة ولكن في إيطاليا غير قانونية”.
كيالي، الذي ينفي أن يكون له أي علاقة بتجارة المخدرات، أنشأ لاحقًا شركات وهمية مختلفة خارج سوريا واصل من خلالها ممارسة الأعمال التجارية.
في 4 مارس 2017، سجل شركة تدعى نبتونس اوفرسيز ليميتد في 27 شارع أولد غلوستيرن في لندن، وهو مبنى سكني من أربعة طوابق تستخدمه مئات الشركات كعنوان مزيف.
في نفس العام، أسس شركة أخرى في اللاذقية، نبتونس إل إل سي، والتي تصف نفسها بأنها وكالة بحرية، تقدِّم خدمة إدارة السفن ودعمها وتوريدها. وبحسب سلطات ميناء اللاذقية، فإن الشركة مملوكة لطاهر الكيالي وشريك اسمه ياسر الشريف. لم يتمكن الصحفيون من العثور على أي معلومات إضافية حول شريف.
في 3 تشرين الثاني (نوفمبر) 2018، استخدم كيالي شركة نبتونس لشراء سفينة نوكا من شركة، ميدلفانت اوفرسيز ومقرها في لبنان، والتي أصبحت المالك المُسجَّل للسفينة في شباط سنة 2018.
كما قال كيالي إنه أجّر السفينة نوكا لشركة تُعرف باسم “شركة لاميرا” لتشغيل وصلة شحن تسمى خط لاميرا الذي يمتد بين اللاذقية وبنغازي وموانئ أخرى على البحر المتوسط.
وأفادت وثيقة يونانية عن القضية أن شحنة نوكا الرسمية أُرسِلَت من قبل شركة دبول والمفتي، ومقرها خارج دمشق، ومحمد هاني عابدين في دمشق، والذي سيُحكم عليه لاحقًا بالإعدام لدوره في شحنة نوكا، واتهامات بأعمال تهريب أخرى، من قِبَل محكمة بنغازي. يدير دبول والمفتي شركة تقوم بتصنيع منتجات الكيماوية، بما في ذلك المنظفات، والتي تم استخدامها في شحنة نوكا لإخفاء رائحة الأدوية.
وقال كيالي إنه بعد أن استأجر السفينة نوكا، أجرت السفينة رحلتين للشحن من اللاذقية إلى بنغازي، وتم إيقافه في الثانية من قبل خفر السواحل اليوناني، الذي وجد “مواد محظورة” – في إشارة إلى شحنة المخدرات – “وضعت بالداخل في أرضية الحاويات، وليس في جسم السفينة أو في البضائع “.
وأضاف: “لقد تعاونَّا بشكل كامل مع السلطات اليونانية وتمكنَّا أخيرًا من الحصول على براءة للطاقم والسفينة والشحنة، لكن بعد أن عانينا كثيراً”.
وأشار إلى إطلاق سراح الطاقم: “إن شاء الله، ستعود السفينة إلى وطنها كما عاد الطاقم، أما بالنسبة للبضائع، فقد أبلغنا أصحابها بأخذها وشحنها إلى أي مكان يريدون”.
ثم تمنى كيالي التوفيق لمشروع الإبلاغ عن الجريمة المنظَّمَة والفساد العثور على “المجرمين الحقيقيين”، وتوقف بعدها عن الرد على رسائل البريد الإلكتروني.
قلعة عائلة الأسد
مع نمو تجارة الكبتاغون، تزايدت الشكوك حول تورط النظام السوري. فاللاذقية – حيث انطلقت سفينة نوكا، وحيث تعمل شركات كيالي- معروفة بأنها إقطاعية الأسد التي لا يمكن اختراقها، وفي السنوات الأخيرة، أصبحت اللاذقية مصدراً للكثير من الكبتاغون في العالم.
تاريخياً، أُنتِجَ الكبتاغون غير المشروع في أوروبا الشرقية وتركيا ولبنان، لكن الإنتاج نما في لبنان بعد الصراع بين إسرائيل وحزب الله عام 2006، حيث سعى حزب الله إلى ملئ خزائن أمواله، وأصبح سهل البقاع على طول الحدود مع سوريا – وهو أيضًا موقع لزراعة القنب بشكل غير قانوني – مركزًا صناعيًا رئيسيًا.
شكلت الحرب السورية نقطة تحوُّل، حيث تصاعد طلب الكبتاغون بين المقاتلين. وانتقلت الريادة في الإنتاج تدريجيًا إلى سوريا، بسبب فوضى الحرب والبنية التحتية للإنتاج والنقل – مثل الطرق العاملة والكهرباء والمياه الجارية – التي كانت موجودة بالفعل، فقد كانت سوريا ثاني أكبر مورِّد للأدوية في المنطقة قبل الصراع.
بحلول عام 2013، أظهرت أنماط المصادرة أن سورية أصبحت “عاصمة الكبتاغون الجديدة في العالم”، وفقًا لمقال نُشر عام 2016 في مجلة الشؤون الدولية بجامعة كولومبيا. مع تدهور الزراعة والنفط والتصنيع، أصبحت صادرات المخدرات الآن من بين أهم مصادر العملات الأجنبية في سوريا.
وعلى الرغم من ندرة البيانات الموثوقة، إلا أن هناك مؤشرات على أن تجارة الكبتاغون قد تكون الآن من بين القطاعات الاقتصادية الأكثر ربحاً في سورية. على سبيل المثال، كانت شحنة ساليرنو البالغة قيمتها مليار يورو وتزن 14 طنًا أكثر قيمة من إجمالي الصادرات الرسمية السورية التي بلغت حوالي 700 مليون دولار في عام 2019.
من خلال تحليل خمس شحنات مخدرات غادرت الموانئ السورية ما بين حزيران 2019 وآب 2020 – ضُبِطَت في اليونان وإيطاليا والإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية ورومانيا – أجراها برنامج التنمية البحرية للشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وهو معهد أبحاث مقره لندن، يقدِّر أن تهريب المخدرات من الموانئ السورية قد يُدِرُّ حوالي 16 مليار دولار في السنة.
وقال عدنان حاج عمر، الذي قاد فريق البحث، لمشروع الإبلاغ عن الجريمة المنظَّمَة والفساد أن حجم الشحنات – وحقيقة أن وسائل الإعلام الحكومية السورية تجاهلتها كلها – تشير إلى وجود شبكة منظمة لنقل المخدرات كانت وراء هذه التجارة، وأنها قادرة على التأثير على مؤسسات الدولة ومؤسسات صنع القرار، وقال إن حقيقة أن التصدير السلس للكبتاغون يتطلب من “وكلاء المُصَدِّرين والتخليص الجمركي ومكاتب الشحن” تزويرَ المستندات، يعني أيضًا تواطؤًا رسميًا.
ولم ترد الجمارك السورية، المسؤولة عن مراقبة الصادرات البحرية وواردات البضائع وعبورها، على طلب للتعليق.
وأشار تقرير جورنال أوف إنترناشونال أفيرز إلى القدرة على تغيير طرق التهريب بسرعة كرد فعل على زيادة أعمال مكافحة التهريب. في عام 2015، على سبيل المثال، بعد حملة قام بها حرس الحدود الأتراك، سرعان ما شهدت الطرق البديلة عبر الأردن ولبنان زيادة في حركة المرور. ويشير التقرير إلى أن تنسيقاً مركزيَّاً تتم بموجبه غالبية عمليات تهريب الكبتاغون، أو أن هنالك تنسيقاً بين المهربين والجهات المعنية بمكافحة التهريب- مما يعني مرة أخرى التوافق مع حكومة الأسد.
يستشهد الباحثون أيضًا بحقيقة أن الكثير من تجارة الكبتاغون مصدره اللاذقية. ومن المعروف أن المناطق الساحلية في سوريا هي القلب التاريخي للأقلية العلوية في البلاد، والتي تنحدر منها عائلة الأسد، وكانت المنطقة مركزًا رئيسيًا لدعم الموالين له طوال الحرب. تقع بلدة عائلة الأسد؛ القرداحة، على بعد أقل من 30 كم من اللاذقية.
واللاذقية مرتبطة بشكل خاص بشقيق بشار الأسد الأصغر، ماهر الأسد، الذي يقود الفرقة الرابعة في الجيش.
وقال صحفي محلي لمشروع الإبلاغ عن الجريمة المنظَّمَة والفساد أن “لا شيء يخرج من المنطقة” دون موافقة قوات ماهر الأسد، مُضيفًا أن تجارة الكبتاغون “مصدر دخل ضخم لتمويل هذه القوات والميليشيات التي تعمل تحت إمرتها”.
يدير كيالي مقهى داخل هذا المعقل الساحلي، داخل المنتجع الذي يملكه قريب آخر للأسد، وهو مضر ابن عم الأسد.
الصلات الليبية
بينما يتحرك بعض الكبتاغون براً عبر الأردن والعراق المجاورين إلى دول الخليج الغنية بالنفط، فإن الطرق الخارجية من الساحل السوري شائعة أيضًا لأن المُهرِّبين يمكنهم تجنُّب نقاط التفتيش والمعابر الحدودية، مما يسمح بنقل كميات أكبر مع تعرض أقل للمخاطر.
وباتت ليبيا على نحو متزايد عقدة رئيسية على هذا الطريق، حيث يتم نقل المخدرات إلى تشاد المجاورة أو مصر أو مباشرة إلى الخليج، وفقًا للباحثين.
يبدو أن الصلة بين سوريا وليبيا قد توثَّقَت منذ عام 2014، عندما أطلق الجنرال الليبي المنشق خليفة حفتر حملته لعملية الكرامة لطرد القوات الإسلامية من بنغازي وسيطر على جزء كبير من شرق ليبيا. وجد حفتر ونظام الأسد نفسيهما على نفس الجانب من الانقسام الجيوسياسي الإقليمي، المدعوم من روسيا والقوات المقاتلة المدعومة من تركيا.
في مايو 2020، اتهم فتحي باشاغا، وزير الداخلية في حكومة طرابلس المعترف بها من قبل الأمم المتحدة والمدعومة من تركيا، نظام الأسد وحفتر بالاستفادة من خطوط تهريب المخدرات الممتدة من سورية إلى ليبيا.
وتبيِّن وثيقة حصل عليها مشروع الإبلاغ عن الجريمة المنظَّمَة والفساد من قضية قضائية في بنغازي تتعلق بشحنة نوكا كيف تسير هذه التجارة. ويكشف بشكل خاص عن عمليات عصابة يُزعم أن قائدها هو محمود عبد الإله الدج، وهو سوري ليبي حكمت عليه المحكمة غيابياً بالإعدام رمياً بالرصاص.
أصدرت محكمة استئناف بنغازي في 21 يوليو / تموز 2019 حكماً يتهم فيه الدج – الموجود الآن في سوريا – ومساعديه بالتورط في شحنة نوكا، بالإضافة إلى ثلاث شحنات تم ضبطها في ليبيا: إحداها في ميناء الخمس القريب. طرابلس في غرب ليبيا وواحدة في بنغازي وأخرى في طبرق شرقي ليبيا.
تم الكشف عن العصابة بعد أن داهمت مديرية جمارك بنغازي مستودع دج استأجره في بواتني -منطقة سكنية وصناعية شرق بنغازي- وضبطت “كمية ضخمة من الحشيش” مخبأة تحت أرضيات مستعارة من الحاويات – تمامًا مثل المخدرات المخزنة في سفينة نوكا.
وفقًا لوثائق المحكمة، فقد أُرسِلَت الشحنة من قبل محمد هاني عابدين المقيم في دمشق – وهو نفس الرجل الذي حددته السلطات اليونانية على أنه أحد المستلمين لشحنة نوكا – إلى شركة مقرها بنغازي تسمى شركة شرق ليبيا، والتي استلمت وكان مسئولا عن تخليصها من الجمارك نيابة عن الدج.
كما يُزعم أن دج وظَّف رجلين في سوريا كمساعدين: محمد سعد وهاشم عجان.
لاستلام الشحنة، وقامت شركة مملوكة للدج -الطير للتجارة الدولية- بتأجير مستودع بواتني، ودفعت إيجارًا شهريًا قدره 8000 دينار ليبي – حوالي 5700 دولار – قبل عام، وفقًا لوثيقة الحكم الليبية. وعادة ما كان الدج نفسه يصل إلى ليبيا قبل يومين من وصول الشحنات، ويغادر بعد تخليص الحاويات.
وتقول أوراق المحكمة إن الدج طلب من ممثل شركة شرق ليبيا رشوة ضباط الجمارك حتى يتم تخليص الشحنات التي تصل إلى بنغازي دون تفتيش.
حصلت الشركة الليبية على وعد بـ 5500 دينار ليبي – ما يزيد قليلاً عن 3900 دولار – مقابل كل حاوية 40 قدمًا يتم تخليصها و3500 دينار لكل حاوية 20 قدمًا. وقال وكيل التخليص المحلي لشركة شرق ليبيا للمحكمة إنه تلقى دفعة من المحاسب في مستودع الدج.
بمجرد تسليم التجار “بضائعهم القانونية”، بما في ذلك البسكويت والعصائر، سيتم نقل الحاويات الفارغة داخل المستودع، وتفكيك الأرضيات المزيفة، وإزالة المخدرات المهربة.
قال سعد وعجان للمحققين إنهما قاما بالعمل لصالح الدج، وتلقيا 10،000 دولار لكل حاوية. ثم جمعوا المخدرات في بطانيات، ووضعوها في صناديق من الورق المُقوَّى، ووضعوها في شاحنة مُبَرَّدَة قادها الدج إلى جهة غير معروفة، على حد قولهم.
وبحسب مسؤول قضائي، لا يزال سعد وعجان – وكلاهما حكم عليهما بالإعدام رميا بالرصاص – في السجن.
في رسالة بالبريد الإلكتروني إلى مشروع الإبلاغ عن الجريمة المنظَّمَة والفساد، نفى متحدث باسم شركة الطير للتجارة الدولية في دمشق وجود أي علاقة للشركة بشحنة سفينة نوكا وادَّعى أن المستودع في الواقع يخص شركة نوتونس في ليبيا. واستمرت شركة الطير في العمل رغم حكم المحكمة، وهي تروِّج للشحنات البحرية بين سوريا وليبيا على صفحتها على فيسبوك.
التجارة المزدهرة
مع انهيار اقتصادات كل من سوريا وليبيا، وسيطرة الجماعات المسلحة والميليشيات على جزء من أراضيها، ليس هناك سبب وجيه للاعتقاد بأن تجارة الكبتاغون ستنخفض في وقت قريب. ففي واحدة من أحدث الشحنات التي ضُبِطَت، عُثِرَ على أكثر من 5.3 مليون حبة في المملكة العربية السعودية مخبأة في شحنة من الرمان.
قال محمد عبد الرحمن الفيتوري، المستشار الإعلامي لوزير الداخلية الليبي الجديد خالد التيجاني مازن، لمشروع الإبلاغ عن الجريمة المنظَّمَة والفساد إنه لا يتوقع تخفيف التهريب في البلاد، حتى مع تشكيل حكومة وحدة وطنية جديدة بموجب اتفاق سلام بين حفتر وحكومة طرابلس، وقال إنه حتى الأمور البسيطة مثل “تركيب أجهزة الأشعة السينية في الموانئ الليبية للكشف عن التهريب” سيكون صعباً على السلطات المؤقتة.
أما بالنسبة للكيالي، فقد خرج سالماً نسبيًا من صلاته بنوكا، ويبدو أنه يستفيد من الروابط الأسرية مع الأسد. ويواصل إدارة كافيتريا في منتجع وسبا مارينا في اللاذقية من خلال عقد سنوي، بينما يرسو يخته الخاص الذي يبلغ طوله 16 مترًا في نادٍ قريب. وفي الوقت نفسه، تعود ملكية مجمع المارينا إلى المؤسسة السورية للاستثمار والتنمية، التي يمتلك نصف أسهمها ابن عم الرئيس بشار الأسد مضر الأسد.
على الرغم من أن والد مضر، رفعت الأسد، خرج إلى المنفى بعد محاولة انقلاب فاشلة عام 1984 ضد شقيقه الرئيس السابق حافظ الأسد، فلا يبدو أن هناك سوء نية بين مضر والنظام الحالي. وردَّاً على سؤال حول علاقته مع مضر، قال كيالي لـ مشروع الإبلاغ عن الجريمة المنظَّمَة والفساد إنه “صديق أتشرف بصداقته”، لكنه نفى أن يكون لهما علاقات تجارية. حاول مشروع الإبلاغ عن الجريمة المنظَّمَة والفساد الوصول إلى مضر للتعليق عن طريق خدمة البريد السريع من خلال شركته التي يقع مقرها في دمشق، لكن تم رفض الإدلاء بأي تصريح.
وعندما سئل عن ماهر الأسد – شقيق الرئيس الذي تسيطر الفرقة الرابعة في جيشه على اللاذقية – قال كيالي إنه سيعتبر لقاءه “شرفا” في يوم من الأيام.
رابط المقال الأصلي من هنــــــــــــــــــــــــــــــــــا