طريق التنمية هو شريان تجاري وقعت كل من تركيا والعراق وقطر والإمارات اتفاقه الأولي في شهر نيسان/إبريل الفائت بحضور الرئيس التركي أردوغان ورئيس مجلس الوزراء العراقي محمد السوداني ويربط دول الخليج بالأسواق الأوربية عبر العراق بشبكة طرق سريعة وسكة حديد بطول 1200كم داخل الأراضي العراقية باتجاه الأراضي التركية بكلفة 17 مليار دولار وينتهي إنجازه في العام 2050م على ثلاث مراحل.
الطموحات التركية الخليجية في تعبيد طريق التنمية الذي سيربط الشرق الأوسط مع أوروبا يتقاطع مع مسارات المصالح الجيوسياسية للعديد من الدول الأخرى قد تحول من تنفيذه وتحوله إلى طريق خطر وشاق يصعب من خلاله الوصول إلى نهاية هذا الطريق.
البداية من حاضنة هذا الطريق البري من العراق الذي يعاني من بنية تحتية متهالكة وسيئة خدمياً لا تسهم في منح هذا الطريق المزايا التجارية المرجوة منه في بلد يتبوأ المرتبة 154 من 180 دولة في مؤشر مدركات الفساد العالمي الذي أصدرته منظمة الشفافية الدولية هذا العام أضف إلى ذلك الخلافات القانونية بين الحكومة المركزية في بغداد وحكومة إقليم كردستان حول تنفيذ وعوائد المشاريع الاقتصادية الضخمة مثل مشروع طريق التنمية.
اقرأ أيضاً: موالون يطالبون إيران بالرحيل…بشار برهوم: إيران عدونا الأول
وبالانتقال إلى إيران البلد الذي يعد الأكثر نفوذاً وسطوة على سلطة القرار في العراق فإن طريق التنمية معرض للكثير من العراقيل التي قد تفرضها بشكل مباشر أو غير مباشر سواء من الخليج العربي وسياستها في تهديد سفن الشحن التجارية امتداداً على طول الطريق البري من خلال ميليشياتها الولائية، كما أن طريق التنمية يتقاطع عملياً بالطرق الاستراتيجية لمشاريعها التوسيعية باتجاه العراق وسوريا ولبنان ويعتبر تهديداً تركياً ناعماً في إطار التنافس التركي الإيراني في المنطقة.
إن استبعاد المصالح الإيرانية من طريق التنمية يشجعها على خلق التعقيدات في مساره من النقطة التي تريد حسب حاجتها لاستخدام ورقة الضغط والابتزاز الجديدة سواء مع الدول الخليجية أو تركيا أو حتى أوروبا في حال اعتمده الأخيرة كخط تجاري لأسواقها مع الشرق الأوسط وآسيا.
لمتابعة كل جديد اشترك في قناة صحيفة حبر على واتساب اضغط هنا
ومن دائرة أكثر أتساعاً من الناحية الجيوسياسية يعتبر طريق التنمية مشروعاً تجارياً منافساً لطريق التوابل الهندي الذي أعلنت عنه الهند بدعم أمريكي عبر الخليج العربي ومنه إلى السعودية وإسرائيل ثم البحر المتوسط والأسواق الأوربية ويحاول العراق وتركيا من خلال هذا المشروع حرف مسار المشروع الهندي وربطه بطريق التنمية وهو ما يهدد المصالح السعودية والإسرائيلية ويزعج الهند بطبيعة الحال.
وقد أعلن الرئيس التركي صراحة في قمة العشرين الأخيرة في نيودلهي أنه لا يمكن أن يكون هناك ممر بدون تركيا، وتعتبر الأحداث المرتبطة في حرب غزة وما يحصل في مضائق البحر الأحمر صفعة قوية للمشروع الهندي وتعزيز كبير لقيمة المشروع العراقي التركي.
من جهة أخرى تراقب روسيا عن كثب مثل هذه المشاريع في الشرق الأوسط على الرغم من كونها ترتبط بمبادرة الحزام والطريق الصينية من الناحية التجارية بشكل أكبر عبر الأراضي الأوراسية (سكة القطار الصينية- الأوربية) إلا أن ما قد يثير قلقها هو إمكانية تطوير مثل هذا المشروع التجاري وتحويله لشريان طاقة يربط دول الخليج وأوروبا لاسيما وأن لدى قطر طموحات كبيرة في نقل الغاز بشكل أكبر وأكثر أماناً من الطرق البحرية وهو ما يهدد مصالح موسكو في التحكم بأسواق الطاقة الأوربية باعتبارها المورد الرئيس لها.
وتبقى الدولة الأكثر تضرراً من هذا المشروع هي مصر إذ يقلص طريق التنمية فيما لو كتب له النجاح حجم العبور من خلال قناة السويس التي يعبر منها ثلث إجمالي حركة الحاويات العالمية حالياً، وتأمن القناة مصدر دخل بالعملة الصعبة للقاهرة في ظل احتياجات مالية ضخمة للدولة الأكبر من الناحية السكانية في المنطقة.
إن الترانزيت التجاري الذي تخطط له أنقرة وبغداد منعطف خطر في تشكيل الوجه الجديد للشرق الأوسط مستقبلاً بالنسبة للكثير من الدول ولا تزال الطرق التجارية تلعب دوراً كبيراً في قيام الحروب ونهوض الدول، ولن يكون من السهل تعبيد طريق التنمية في المنطقة وخصوصاً في حال عدم الرضى إيران التي تلعب دور شرطي المرور في المنطقة رغماً عن الجميع وليس مستغرباً أن تتحول إلى قاطع طريق عبر ميليشياتها في حال لم تُأخذ مصالحها بعين الاعتبار.