تثير البصمة الإيرانيّة في عملية طوفان الأقصى شكوك المجتمع الدولي والإقليمي بتوجس حذر يعزوه عدم الرغبة في الصدام في ظل الظروف الحالية، وهو ما أكدته الولايات المتحدة علناً من عدم وجود صلة مباشرة لإيران بهذه العمليّة على الرّغم من أنّ صلة حمـ.ـاس بالنظام الإيراني معروفة في الدوائر الإسرائيلية والغربية ولا تحتاج إلى تحقيقات وتحليلات استخباراتية، إلا أنّ تل أبيب تريد احتواء هذا الطوفان في فلسطين دون أن يرفده من الدول المحيطة دعمٌ يغذّيه ويجعل منه حالة عصيّة مستمرة يعجز عنها الكيان الـ.ـصهيوني.
لا شكّ أنّ القرار الفلسطيني في العملية لعب دوراً هاماً وإن اختلف الجميع حول درجة الارتباط الإيراني بقرار اتخاذ العملية، مع عدم وجود شك أن طوفانُ الأقصى تعوم عليه إيران و مصالحها، و تقييم هذا الدور سيتم الكشف عنه لاحقاً من حيث التخطيط والإمداد والتنفيذ واختيار التوقيت.
اقرأ أيضاً: عودة الاشتباكات بين العشائر وميليشيا قسد
فلسطينياً، يشكل طوفان الأقصى حالة نصرٍ كبير رغم الخسائر في صفوف المدنيين والبنى التحتية في قطاع غـ.ـزة، وهو رسالة قوية للداخل الإسرائيلي، لكنّ هذه المكتسبات لا يمكن أن ترتقي في مضمونها إلى مستوى الردع الحقيقي والحصول على حقوق الشعب الفلسطيني الذي تقره المواثيق الدولية و القرارات الأممية، على اعتبار أنّ حركة حماس منظمة مسلحة بغض النظر عن تصنيفها – إرهـ.ـابية- وهو ما يعني أنّ ما يمكن أن يسمح به المجتمع الدولي و إسرائيل خلال عملية التفاوض القادم هو ما يتم تقديمه للجماعات المسلحة مثل تقديم المساعدات الإنسانية وضخ الأموال لتحسين الوضع المعاشي لسكان القطاع وتبادل الأسرى وتوريد الخدمات التي هي أساساً حق لأهالي غزة المدنيين، والسوابق حول التسويات بين الطرفين عقب النزاعات كثيرة ولم تخرج يوماً عن هذا الإطار، لكن السؤال اليوم هو من سيحقق المكتسبات الدولية والإقليمية من هذا الطوفان؟ وكيف ذلك؟
دون أدنى شك، إيران هي عرابة هذا الاستثمار بالدرجة الأولى ويحقق لها الكثير في العديد من الملفات التي تواجهها والبداية من الحالة البائسة لحلفائها في كل من سورية ولبنان سياسياً واقتصادياً وعسكرياً، فإسرائيل جعلت من خلال غاراتها المستمرة على الأراضي السورية عبر لبنان من حلف الممانعة مادة للسخرية وأسطوانة مشروخة للاستهزاء والتململ من هذه النظرية التي ملّتها حاضنتها الشعبية نفسها.
كما أنّ الحاجة لتثبيت وجودها الإقليمي كان قبل طوفان الأقصى على المحك في كل من العراق وسوريا مع شبح الاجتثاث وتقطيع الأوصال لمحورها وحتى الساعة نسفت إيران كل هذه التحليلات والتكهنات برسالتها من خلال حليفتها حـ.ـماس فالقدرات والخبرات التي تملكتها حـ.ـماس المحاصرة كشفت العجز الإسرائيلي وعرته فكيف الحال بمليشيا حزب الله اللبنـ.ـاني الذي يتلقى كل أنواع الدعم من طهران؟
لمتابعة كل جديد اشترك في قناة صحيفة حبر على تلغرام اضغط هنا
من جانب آخر نشطت في السنوات الأخيرة مشاريع التطبيع مع الكيان الصـ.ـهيوني برعاية أمريكية والملف السعودي اليوم هو أبرزها وطموح تل أبيب في التوصل لهذا التطبيع أولوية لحكومة نتنياهو، إلا أنّ طوفان الأقصى سيسبب للقيادة السعودية إحراجاً سياسياً وشعبياً لا يمكنها تخطيه بسنوات بالإضافة لذلك فإنه سينجح في بقاء إسرائيل معزولة إقليمياً على الأقل على المدى القريب ويحرم كلا الجانبين من تحقيق مصالحه المترتبة على هذا التطبيع وهو ما يصبّ في مصلحة طهران مباشرة.
من جهةٍ أخرى ستتمكن طهران مستقبلاً من المساومة على ورقة النفوذ والعلاقة مع حمـ.ـاس في ملفات استراتيجية غاية في الأهمية وأولها ملفها النووي والعقوبات المفروضة عليها إلى جانب أرصدتها المجمدة فالأسرى وإن كانوا بيد حـ.ـماس فهم رهن القرار الإيراني في البعض منهم بطريقة أو بأخرى ولإيران باع طويل في افتداء المواطنين الغربيين مقابل تحرير الأرصدة الإيرانية من البنوك الغربية وهي بالمليارات.
ثانياً، كانت الخطة الأمريكية حول بناء خط تجاري دولي بين الهند وأوروبا عبر الشرق الأوسط في القمة الـ 18 لمجموعة “G-20” الأخيرة صفعة على وجه الاقتصاد الإيراني عندما استثنى هذا الطريق الجغرافيا الإيرانية من خلال مروره بدول الخليج ومنها للأردن وإسرائيل ثم أوروبا، حيث لم تتوانَ طهران في الرد عليها عملياً بأن لا أمان لخطوط تجارة دولية ليست شريكة فيها وهو ما دفع بالهند إلى جانب الولايات المتحدة للتضامن مع الكيان الـ.ـصهيوني منذ اللحظات الأولى.
الكيان الصهـ.ـيوني يعلم بأن طوفانُ الأقصى تعوم عليه إيران والكرة اليوم في ملعبه و تتوقف عملية تقويضها وضربها على مدى قدرة الرد الإسرائيلية على هذه المصالح ليس في قطاع غزة المحاصر و المدنيين الأبرياء فيه وإنما على شبكة النفوذ الإيرانية في المنطقة كلها.