يعيش أطفال الشمال السوري في ظروف استثنائية منذ أكثر من إثني عشر عاماً، فقد تعرض الكثير منهم لضغوط نفسية واجتماعية جمة والكثير من حالات الاعتداء والحرمان والعمالة المبكرة التي وثقتها الكثير من التقارير الدولية والمنظمات الحقوقية المحلية بالإضافة إلى تعرضهم للإصابات المباشرة بفعل آلة الحرب القاسية التي لا ترحم واستشهاد آلاف الأطفال تحت وطأة القصف الممنهج واستهداف المدارس، ومن لو يُصب او يقتل في ظل الحرب التي عانى منها جميع السوريين فقد فارق الكثير من الأطفال عائلاتهم وذويهم. وقد أودت الحرب بأطفال الشمال السوري إلى الحرمان من الخدمات الأساسية الصحية والغذائية والتعليمية منها والمأوى والحماية وذلك بعد أن تم تدمير معظم البنى التحتية في البلاد من مدارس ومشافي ومستوصفات وأفران وغيرها من ركائز الحياة.
وزاد هذه الظروف قساوة، الزلزال الذي أصاب كل من تركيا وسوريا في شهر فبراير / شباط من العام الجاري 2023 . والذي زاد من معاناة وحرمان الأطفال الذين يشكلون الحلقة الأضعف والأكثر هشاشة في ظروف الحروب والكوارث.
فبعد الزلزال المدمر بدأنا نرى المئات بل الآلاف من الأطفال وذويهم بلا مأوى ولا تعليم ولا رعاية، الأمر الذي ساهم في انقطاعهم عن التعليم وحرمانهم من مدارسهم وتطور هذا الأمر ليتحول الانقطاع عن التعليم إلى ظاهرة اجتماعية واضحة وخطيرة تعاني منها الكثير من المناطق في جميع أنحاء سوريا، وبالتالي انتقال الأطفال إلى العمل في مهن غير مناسبة لأعمارهم وبعضها خطر على حياتهم وذلك لمساعدة أنفسهم وأسرهم في تأمين لقمة العيش وتأمين أبسط مستلزمات الحياة.
لا موارد مالية لنظام الأسد من أجل زيادة الرواتب
ولم تكتفي قسوة الظروف بالتأثير على الصحة الجسدية للطفل بل وشملت الجانب النفسي أيضاً فالكثير من الأطفال بدأت تظهر لديهم حالات الخوف والهلع والقلق بعد الزلزال وباتو بحاجة إلى علاج نفسي سريع وطارئ لتفادي أعراض ما بعد الصدمة التي تعرضت لها المنطقة بشكل عام.
فتكامل شخصية الطفل لا يتحقق دون توفر الصحة النفسية والجسدية. ولا تقل أهمية الصحة النفسية للطفل عن الصحة الجسدية، فبها يكون الطفل أكثر مرونة وأكثر قدرة على التكيف مع ظروف الحياة.
وفي ظل هذه الظروف الصعبة التي يعيشها الأطفال, لابد من وجود فرق الحماية التي تقدم الإسعاف النفسي الأولي للأطفال وجلسات التوعية والترفيه التي من شأنها أن تخفف من معاناة الأطفال وتربطهم بمراكز الخدمة المتوفرة, وكذلك فإن المساحات الصديقة للطفل تساهم وبشكل كبير في تقديم الدعم النفسي والاجتماعي للطفل من خلال الأنشطة الهادفة التي يتم تنفيذها والتي تطور من مهارات التواصل لدي الأطفال وتزيد من مرونتهم وإعادة تأهيلهم للتكيف مع البيئة المحيطة وتعلمهم كيفية التعامل مع المشاكل التي تواجههم وكيفية حلها والحد منها، اليوم وفي ظل هذه الظروف لا تعتبر مناطق شمال غرب سوريا وإدلب على وجه التحديد مجرد مناطق تبحث عن حياة وإدارة مدنية للتخلص من آثار السنوات الماضية التي ألقطت بظلالها على المدنيين، بل نحن بحاجة إلى إعادة بناء المجتمع وتأهيله من جديد، وعلينا أن نبدأ من الأطفال الذين هم الحلقة الأضعف و التأثيرات السلبية التي تعرض لها المجتمع خلال السنوات الماضية كان تأثيرها عليهم الأشد قسوة ولكي نتجاوز المحن التي مررنا بها والوصول إلى مجتمع جديد قوي وفعال علينا أن نبدأ بالأطفال وحدهم لأنه مستقبلنا القادم.