حلا أسليم |
يأخذُ الهاتف المحمول من يد طفلهِ الصغير بعد صراع طويل معهُ، يريدُ أن يخرج رأسه من صوت البكاء وأن ينفصل عن الواقع، ليغرقَ في عالم مواقع التواصل الاجتماعي، لكن سرعان ما تلون وجههُ من الخوف والصدمة عندما رأى خبرًا لانتحار طفل صغير.
بين سطور الصُحف الإخبارية، وعلى السفر العائلية، وفي الباصات المزدحمة، وعلى الطرقِ الفارغة تنتشر أخبار الانتحار لشبابٍ وأطفالٍ ومُسنين بشكل شبه يومي.
لمتابعة كل جديد اشترك في قناة صحيفة حبر على تلغرام اضغط هنا
نجاةٌ لعذاب آخر:
هذا هو التعريف الحقيقي للانتحار، أن يقوم أحدهم بالابتعاد عن الله، وجميع المنتحرين تجمعهم صفة واحدة وهي الأنانية وحبّ الذات، تجعلهم يقررون رغبتهم في عدم استقبالهم ليوم جديد، يقررون متى يتوقفوا عن الضحك في وجوه أمهاتهم، ومتى يتركون العالم، دون أن يكترثوا لمشاعر من حولهم، للحزن والألم والعذاب الذي سيتركونه في قلوب ذويهم، والموت الذي ربما يتسببون به أيضًا جراء الحزن الذي ربما يصيب الآخرين والمجتمع عندما يقدمونه بهذه الطريقة السهلة.
اقرأ أيضاً: بشار الأسد يصدر قانوناً جديداً يخص المغتربين السوريين
المنتحرون قتلة في بعض الأحيان ومجرمون في حق أنفسهم وفي حق الآخرين.
ولكن ماهي الأسبابٍ التي يتذرع بها المنتحر حتى وصل هذه النقطة؟
الاكتئاب هو أحد الأسباب التي تؤدي للتفكير بالانتحار، فغالبًا ما تظهر على المنتحر قبل موتهِ أعراض الاكتئاب والاستسلام لها، فتراه غير مبالٍ بالحياة، لا يهتم بمظهرهِ، ولا صحتهِ، يحب الانعزال عن الجميع لينغمس بأفكاره الانتحارية السوداء، يتجنب كل النصائح، ويغلق أذنيه عن كل الوسائل التي تحاول انتشاله ممَّا هو فيه.
ربما يكون السبب الصدمات التي يتعرض لها الفرد، سواء من عائلتهِ أو حتى أصدقائه، وأيضًا إدمان المخدرات، وغيرها من مذهبات العقل التي تجعل شاربها في حالةٍ جنونية.
كذلك قد يلعب الوضع الاقتصادي دورًا مهمًا، فهناك من عاد خائبًا من الحياة يحمل أكياسًا من القهر ليناول أطفاله الجياع، ومنهم من لم يستطع أن يعود أساسًا إلى بيته، وبقي عالقًا بالموت.
في الفترة الأخيرة نرى أن الأطفال لم يسلموا من هذه الخطيئة، فبعضهم راح يشنق نفسهُ رغبة بتطبيق الأسلوب الذي أتبعهُ أحد معارفه، أو حتى شاهده على الأخبار، أو سمع به عبر وسائل التواصل، صار الانتحار عدوى، وبات ينتشر دون وعي، وعند أقل التحديات، فربما ينتحر طفل من أجل لعبة رخيصة، لا طمعًا بها، بل لأن المجتمع صدَّر له الانتحار وسيلة سهلة للتخلص من قلقه تجاه عدم امتلاكها.
كل الذين قد انتحروا ربما كانوا بحاجتنا في الحقيقة، بحاجة قليلٍ من الوعي والإيمان بقضاء الله خيره وشره، بحاجة لأن نحكي لهم عن جمال الحياة، عن لذة مواجهة الصعاب، عن قسوة الانتحار والموت وما بعدهما، حتى لا يكون بهذه السهولة.
ربما كانوا بحاجة زيارة طبيب نفسي دون أن يُلقبوا بالمجانين، بحاجة أذنٍ تسمعهم، ويدٍ تحنو عليهم، فنحن أمام أفرادٍ يشعرون بنفاذ الطاقة، وبرود الهمة، تائهين بالطرق المظلمة، أمام أفراد توقفوا عن حب الله والناس، وراحوا يفكرون بأنفسهم فقط.
إذًا المشكلة بحدّ ذاتها في مجتمعاتنا هي (ضعف الإيمان) فنحن الآن بحاجة أن نغذي تلك العقيدة التي تكمن في قلوبنا، أن نفهم أن الدنيا قصيرة لا تحتاج أن ننهيها بأيدينا، إنما أن نعمل بها ما نستطيع، أن نعرف أنها كآلة موسيقية تعزف الحزن تارة، والفرح تارة أخرى، علينا أن نستوعبها ونبسطها ونتشبثُ بآمال الآخرة التي تنتظرنا.
رمى هاتفهُ بعيدًا بعد أن راودته العديد من الأفكار والكوابيس، وسارع لاحتضان طفلهِ الصغير، واختفى صوت البكاء.