يحدث أن الكثير من الناس يرون أشياء من غيرهم يعيبون على صاحبها خروجها منه، إذ إنها آفة تضطر المجتمع أو تضر صاحبها، فيتكلمون بذلك علنًا أو يسرونها بأنفسهم، وتبدأ عقولهم بتعظيم تلك الآفة التي رأوها ونقدِها، وربما يصل الأمر إلى استحقار صاحبها.
فمثلًا آفة الغيبة أو التفاخر أو الكذب…إلخ، ترى أن الشخص المراقب لمن تصدر عنه الآفة يهوّل ويعظّم الأمر ويستنكره، وهذا الجانب فيه شيء من الصواب إذا كان من باب توجيه النصح ضمن آداب النصيحة لا الفضيحة، إلا أن السؤال الذي يفرض نفسه: هل سلِم الشخص المُراقِب الذي ينقد صاحب تلك الآفة أو الزِلة من عدم قيامه بها؟
قبل الإجابة عن السؤال السابق، تتجلى الحقيقة بأن الإنسان جاهل بمعرفة عيوبه وخبير بعيوب الآخرين، فإذا رأى عيبًا أو آفة يقوم بها الآخرون كشفها وأبانها وعظَّمها، وإذا كان يمشي بالعيب نفسه الذي عظَّمه تراه يتجاوزه كأن على عيونه غشاوة، بل إنه يسوق لنفسه الأعذار ليجوِّز فعله ويكون بذلك حذقًا وذكيًا.
إن حقيقة معرفة الإنسان أنه سليم معافى من الآفات تتجلى من خلال علاقة عكسية بينه وبين صاحب الآفة أو الزِلة، وهاكم المثال التالي: “إِذا رأيت من شخص ما سقطة أو هفوة، فاجعل نفسك مكانه ثم انظر الذي كنت تحبُّ أن يستقبلك به، فلو رأى منكَ مثل الذي رأيتَ منه وأضمرَ ذلك لَهُ فِي نَفسك فإنه يحب مِنْك مثل مَا كنت تحبه مِنْهُ.” وبشكل أوضح يجب أن يكون الإنسان المراقب لزِلة الآخر أَن يكون أخف النَّاس عليهم عند الزِلة، أما كيف يكون ذلك فيتجلى بأن يلتمس الإنسان لصاحب الزِلة العُذر والمخرَج من تلك الزِلة أو الخطأ الذي ارتكبه، فإن لم يجد عذرًا يعينُ به صاحبه أخفى ما شاهده منه من باب السِتر عسى أن يتوب الله عليه، وساءه ذلك من باب إنكار المنكر.
وتلك الآلية من التعامل لا تقتصر فقط على مشاهدة الأخطاء، إنما تسري على مشاهدة الأفعال الحسنة أيضًا، إذ إنه يفترض بالإنسان ألَّا يحب إزالة نعمة أسبغها الله على أحد لا في الدين ولا الدنيا، وألَّا يُحب أَن يستمر أحد بمعصية الله تعالى، وألَّا يحب أن يُفتضَح عند زِلته، فإذا كان الإنسان كذلك بالتعامل مع الآخرين عند أخطائهم وحسناتهم كان قلبه خاليًا من الحسد في أمور الدنيا والآخرة، وإن كان غير ذلك فإنه يفعل الزِلات والآفات التي رآها من الآخرين نفسها ويتعامى عنها، وإن عرفها سوَّغ له الشيطان أعماله وهيَّأ له أسبابها كي يستمر بها.
الله نسأل أن نكون ناصحين موجهين عند رؤيتنا زلات الآخرين وألَّا نكون فاضحين متناسين أنفسنا، وأن نكون حامدين شاكرين عند رؤيتنا نِعم الله على الآخرين ونتذكر من خلالها نِعمًا كثيرة أكرمنا الله بها ونحن غافلون عنها ولا نشكره عليها، إنه سميع قريب مجيب والحمد لله في السراء والضراء.