لقمة عيش وسط النفايات.. مهنة محفوفة بالمخاطر في الشمال السوري

أحمد الأحمد

 

“ما بدي أحتاج أي شخص” بهذه الكلمات البسيطة وبعينين مليئتين بالحزن والهم يصف الحاج أبو مصعب 59 عامًا النازح من قرى ريف إدلب الشرقي الحال الذي وصل إليه، حيث يخرج مع ساعات الصباح الباكر برفقة ولده الصغير إلى مجمعات النفايات والحاويات لجمع ما يستطيعان بيعه وكسب قوت يومهم.

ويكمل أبو مصعب حديثه بالقول: “أخرج برفقة طفلي محمد عند صلاة الفجر كل يوم على دراجتنا النارية لندور على كل حاويات القمامة ومحلات بيع الخضروات التي توجد في مدينة إدلب، أضع لثامًا على وجهي كي لا يعرفني أحد إن رآني حتى لا أسبب الإحراج لعائلتي ولا أفقد مكانتي بين الناس بنظرات المجتمع التي لا ترحم، لأنه لا أحد يعلم ما يوجد في جيوب الناس وكيف يعيشون، فعندما لا تجد ما تسد به رمق عائلتك، ولا تجد عملاً أبدًا عندها تعمل أي عمل لتبقيهم على قيد الحياة”.

أبو مصعب واحد من عشرات الحالات التي تصادفها يوميًا في شوارع مدن وبلدات الشمال السوري، لا سيما في مدينة إدلب، فقد أصبح مشهد الأطفال والنساء وكبار السن وهم يبحثون في حاويات القمامة طلبًا للمعيشة مشهدًا مألوفًا لدى سكان المدينة، فعند مرورك بأي مكب للنفايات تشاهد عشرات الأطفال يبحثون في تلال من الخردة والأوساخ عن أي شيء يصلح للبيع لمساعدة أسرهم على تحمل نفقات العيش اليومي.

ماذا يجمعون من مكبات النفايات؟

(سعيد شاب) عشريني تحدث لحبر عمَّا يتم جمعه من مكبات النفايات بالقول: ” قمت بتفصيل مجموعة من الصناديق المعدنية لدراجتي النارية، وفي كل صندوق أضع كيسًا مخصصًا لغرض معين، وخلال بحثي أجد بعض الكراتين، وقطعًا من الحديد، وبعض الخبز اليابس، والنحاس، وحتى بعض الخضروات.

قطع الحديد والكراتين أقوم بجمعها وببيعها، حيث يبلغ سعر كيلو الكرتون قرابة 0.85 ليرة تركية، أما الحديد فهو نصف ليرة تركية، أما الخضروات فأفرزها حسب شدة اهترائها، فبعضها يصلح للأكل أطعمه لأسرتي، والبعض الآخر أطعمه لغنمتين أقوم بتربيتها قرب خيمتي على أطراف مدينة إدلب الشمالية.

لا أخجل من عملي، فكل الناس يبحثون عن العمل وطلب الرزق، العائلة الصغيرة اليوم تحتاج بالحد الأدنى 150 دولار حتى تستطيع العيش بأبسط ما أمكن، عدا عن أجرة المنازل التي لم يعد لأحد طاقة بتحملها، في نهاية كل يوم أتمكن من جمع ما يقارب 20 ليرة تركية” صحيح أنه مبلغ بسيط بس بحصة بتسند جرة”.

مخاطر البحث في النفايات:

مكبات النفايات تحولت إلى جحيم يلتقف من يعمل بها، نتيجة عشرات الأمراض الجلدية المعدية والاسهالات التي تسببها، وصولاً إلى الموت، فبين فينة وأخرى نسمع وفاة أطفال نتيجة انهيار جبال القمامة عليهم خلال بحثهم عن المواد القابلة للتدوير، ففي مطلع العام المنصرم لقي ثلاثة أطفال مصرعهم خلال عملهم في جمع النفايات في مكب (الهباط) قرب مدينة معرة مصرين، وذلك بسبب إفراغ صاحب الشاحنة الحمولة كاملة على خمسة أطفال لم ينتبه لوجودهم، لقي ثلاثة منهم مصرعهم ونجا طفلان.

أكاديمية في إدلب تحظى باعتراف دولي من مجلس التعليم الأمريكي

الدكتور (أحمد الحسن) أبدى تخوفه من هذه الظاهرة التي تنتشر خلال حديثة لحبر بقوله: ” هذا الأمر لا يتعلق بفئة محددة أو بمن يقومون بجمع النفايات دون وجود أدنى درجات الاحتياط من ملابس خاصة وقفازات وغيرها، لأن الأمراض التي تنتشر في حاويات القمامة بمعظمها مُعدية، وعند إصابة الشخص بها سينقلها لأهل بيته، ومنها تنتقل إلى أشخاص آخرين.

ومن أبرز الأمراض التي يمكن أن تواجه العاملين في جمع النفايات هي الالتهابات الجلدية، ومرض اللاشمانيا، نتيجة تعرضهم المستمر للسعات البعوض الملوث، بالإضافة إلى التهابات المعدة والاسهالات بفيروس الزحار والسالمونيا والطفيليات التي ترتبط مع فضلات الحيوانات، مثل (toxoplasma) الذي يوجد في براز القطط بشكل خاص، ويؤدي للإصابة بداء المقوسات، الذي إذا أصيبت به الحامل فإنه قد ينتقل للجنين ويؤدي لمضاعفات خطيرة، فضلاً عن داء الكزاز، والأكثر خطورة هو تعرض الشخص لبعض الفيروسات الخطيرة التي تنتقل عبر الدم كالتهاب الكبدB_C  ومتلازمة نقص المناعة المكتسبة، وذلك بوخزه بإبرة ملوثة بدم أحد المصابين”.

لمتابعة كل جديد اشترك في قناة صحيفة حبر على تلغرام اضغط هنا

الأوضاع المعيشية الصعبة، وضعف منظمات المجتمع المدني عن سد حاجات المدنيين، خلقت هذا الجو الذي جُبِرت فيه عائلات بأكملها على تناول طعام لا يحمل أدنى مقومات الغذاء ويعرضهم والمجتمع إلى ظهور أمراض وأوبئة جديدة ربما لم تكتشف بعد، فضلاً عن إضعاف أجهزة المناعة في أجسامهم، لا سيما في ظل انتشار وباء كوفيد 19 الذي بلغ ذروته بالمحرر.

 

 

أحمد الأحمدإدلبالعمل بالنفاياتالفقرالنفاياتريف إدلبسورياصحيفة حبر