غسان الجمعة
توقَّف إطلاق النار بين قوات الاحتلال وقطاع غزة بعد وساطات إقليمية ودولية بين الجانبين، انتهت بعيد فلسطيني متأخر صامَت فيه غزة هاشم عن ماء الفرح والأقصى يدنس، وتجرعت لأيام كأس الحرب بعزّ وشموخ، حيث تعطَّر ثراها بدماء الشهداء، وكذلك بأنفاق الحياة والكرامة.
اليوم خطف الفلسطينيون نصرهم بتضحياتهم وحققوا سطوتهم بعد أن استمرأت إسرائيل وهن الخلاف الفلسطيني وبيئة التطبيع المثالية تحت مظلة صفقة القرن، لكن هذه الجولة ليست كسابقاتها بحيث يتم احتواء تداعياتها داخل الأراضي الفلسطينية، فقواعد الاشتباك تغيرت ومالت لمصلحة الفلسطينيين وكذلك سياسيًا، فقد علا صوت المتضامنين مع القدس في كل مكان رغم التطبيع والتشويه المستمر لقضية الفلسطينيين.
إنَّ الفشل الإسرائيلي في صدِّ الهجمات عبر قبته الحديدية هو عنوان هزيمته العسكرية، وهناك ما هو أكبر من الناحية الاقتصادية والأضرار المادية والبشرية التي تتحفظ عليها إسرائيل، وتلك الحساسة المتعلقة بالتفكير ببناء المستقبل خارج فلسطين بالنسبة إلى اليهود ستدفع الإسرائيليين لترميم ما فقدوه وتقديم تنازلات سياسية تضمن عدم تكرار ما حدث معها في (سيف القدس).
لمتابعة كل جديد اشترك في قناة صحيفة حبر على تلغرام اضغط هنا
هذه الجولة التي نسفت فيها قاعدة (الجيش الذي لا يقهر) ستتولد منها مكاسب سياسية تتخطى الحدود الفلسطينية بين لاعبين إقليميين ودوليين على طاولاتهم العديد من الملفات والمصالح التي يمكن وضعها في خدمة إزالة المخاوف الإسرائيلية.
إيران والولايات المتحدة هما المعنيان بهذا الأمر، خصوصًا أن قيادات حماس خصَّت إيران بدعمها المالي والعسكري، وهو ما يعني أن لدى الإيرانيين ورقة رابحة وثمينة، حيث إن وصول الصواريخ من غزة لمعظم بقاع إسرائيل هو بالتأكيد ليس استثمارًا فلسطينيًا بحتًا، لاسيما أن لإيران خبرة في هذا المجال، ووصول هذه التقنية لغزة يعني بالمحصلة امتلاك حزب الله ما هو أقوى أيضًا.
التفوق العسكري الذي تحافظ عليه إسرائيل في محيطها تم كسره من داخل الأراضي الفلسطينية وبأبسط التقنيات العسكرية، وإيران بالنسبة إلى إسرائيل ليست خطرًا يهددها من سورية فقط، بل هي الآن داخل فلسطين وبذراعها الصاروخية التي تفاخر بها.
اقرأ أيضاً: إليكم حقيقة الصورة المتداولة لطالب استشهد في الأحداث الأخيرة بغزة
من هذا المنطلق قد تحقق إيران مكاسبها في ملفات الاتفاق النووي والعقوبات الاقتصادية والوجود في سورية وغيرها من الملفات التي ستضغط بها على واشنطن مقابل تبديد مخاوف تل أبيب.
من جهة أخرى تقود تركيا حراكًا سياسيًا كبيرًا يضم (قطر، وباكستان، وماليزيا) وغيرها من الدول الإسلامية التي تناصر القضية الفلسطينية وتعمل على فضح ممارسات الصهاينة، وهو محور يعكس نوعًا ما التعاطف الشعبي العربي والإسلامي، حيث تعده إسرائيل عدوها الإستراتيجي الأبعد مدًى والأقوى تأثيرًا؛ لدوره في نسف ثقافة التطبيع في المنطقة وتعرية الخطط الصهيونية حول التعايش والسلام، وإلى ما هنالك من سياسات كلَّفت تل أبيب الكثير من الجهد والمال والوقت.
إن المحور التركي لا يمكن لإسرائيل والولايات المتحدة تجاوزه عند تناول المسألة الفلسطينية، ولهذا يمكن أن تستثمر أنقرة بملفاتها على الطاولة الأمريكية والإسرائيلية لاسيما المتعلقة بخلافات البحث عن مصادر الطاقة في حوض المتوسط.
وعن المطبعين فهم الخاسر الأكبر؛ لأنهم شاهدوا البيت الإسرائيلي الذي تقصَّدوا الحماية به، فبدا أوهن من بيت العنكبوت، وكيف أن كلفة التطبيع باهظة جدًا سياسيًا أمام المكاسب التي سعى المطبِّعون لتحقيقها وهي ما ستحرِج الكيان أمامهم لسنوات.
الأيام القادمة كفيلة بالكشف عن مجريات التعاطي مع مشاكل المنطقة التي تمسك تل أبيب بخيوطها كلها، وهي من ستقرر أيهما ستفلته من يدها، ومقابل ماذا؟