إعادة التدوير في المنظومة العربية والتطبيع الكامل هي غاية الأسد التي يتمناها من القيادات والدول العربية، وتسانده في ذلك روسيا التي تطمح لتحقيق إعادة الإعمار بأموال خليجية، بحيث يتم إعادة ربط النظام السوري بالعجلة الإقليمية مبدئياً؛ لحمايته وإعادة تأهيله في ظل الظروف الدولية الحالية.
لكن بالمقابل هناك تيار بين الدول العربية يمارس ضغوطًا قوية لإعادة الأسد إلى جامعة الدول العربية والتطبيع الكامل معه من جديد عبر دعوته لقمة الجزائر المنتظرة، ولأن الممارسة السياسية تفترض ألَّا مواقف أو صفقات بالمجان، يمكننا التساؤل عن بواعث هذه الرغبة لتطبيع مع نظام أغرق نفسه بالميليشيات وتحول إلى بؤرة لتصدير المخدرات والفوضى للمنطقة والعالم.
قتلـ.ـى بين أبناء عمومة بسبب خلاف على قطعة أرض
بدايةً تعود دوافع بعض الدول العربية لهذا التطبيع من منظور رؤيتها لشعوبها في الداخل، وسياستها الخارجية في المحيط الإقليمي والدولي، وأهم تلك الأسباب التي تشجع العرب على إعادة تأهيل نظام الأسد كونه البيدق الأخير الذي لايزال يعاني من تركة ثورات الربيع العربي بعد أن تمت إعادة السيطرة على شعوب ودول المنطقة من خلال الثورات المضادة، وإعادة فرض سلطة الجيش والقبضة الأمنية بصور وأساليب جديدة، وبالتالي حان الوقت لمساعدة هذا النظام.
وتسعى قيادات دول عربية مثل (مصر، والجزائر، وليبيا حفتر، والإمارات) إلى وأد بقايا هذا الربيع عبر دعم الأسد ومساندته ضد ثورة السوريين، التي لا يزال النظام السوري حتى اليوم يقمعها ويحاربها، فليس من مصلحة تلك الأنظمة وحكامها أن تنال ثورة السوريين غايتها؛ وذلك لحسابات داخلية وتوازنات خارجية إقليمية.
لمتابعة كل جديد اشترك في قناة صحيفة حبر على تلغرام اضغط هناِ
من جانب آخر يشكل وجود إيران في سورية تحديًا حقيقيًا لبعض الدول العربية، بالمقابل تسعى دول أخرى لاحتضان الأسد من منطلق الانتماء للمحور الإيراني، لكن كلا الطرفين (الموالي، والمعادي) لطهران يتجه لكسب الأسد في هذه المرحلة والاستعداد للمعركة القادمة التي من الممكن أن تكون على الأرض السورية.
وليس بعيداً عن هذا المشهد تصريحات الملك الأردني حول ضرورة عودة سورية للمنظومة العربية، وفي الوقت نفسه يتذمّر الأردن من وجود إيران وميليشياتها على حدوده، بل إن حديث العاهل الأردني عن ناتو عربي جديد هو ما يدفع اليوم بقوة لمصالحة عربية مع النظام ومحاولة خطب وُدّه ليكون على الأقل محايداً في الأيام القادمة التي تنذر بمواجهة إيرانية عربية تقودها إسرائيل.
ولا تقل أهمية عن الأسباب السابقة مسألة محاباة الدب الروسي الذي نجح في تليين بعض مواقف الدول العربية تجاه الأسد، مثل البحرين والسعودية، وإن كان من تحت الطاولة، ومن جهة أخرى تُعدُّ سورية بموقعها ومواردها عقدة جيوسياسية مهمة في خريطة الشرق الأوسط وأزماتها، بالإضافة إلى كونها عمقاً عربياً لدول الخليج ومصر في التعامل مع تركيا، سواء أكان سياسياً أو اقتصادياً وحتى عسكرياً بوجود قواعد تركية في الخليج.
من جانب آخر باتت عودة تنظيم داعـ.ـش وانتشار المخدرات المصنعة في سورية هاجساً تتذرع به الدول العربية للتطبيع مع الأسد، ويشكل تراجع الدور الروسي في سورية بسبب انشغالها في غزو الأراضي الأوكرانية منطلقاً لخيار الحفاظ على النظام و إعادة تأهيله كأولوية لأمنها القومي والوطني على حساب مطالب السوريين بغض النظر عن ممارسات النظام وسياسته.
أسباب و حيثيات تعزز موقف النظام السوري و تقوي فرص عودته للمحيط العربي ساهم بنفسه في صناعة بعضها، و استغل ظروفاً إقليمية ودولية في اقتناص أخرى لتعزيز مكانته و تثبيت نظامه، لكن يبقى السؤال عن عدم اهتمام المعارضة السياسية السورية بالدور العربي، وعدم اتصالها بوتيرة أقوى مع الدول الرافضة لعودة الأسد بالسوية التي ترتهن بها نفسها لدول مثل تركيا و فرنسا و والولايات المتحدة وغيرها دون ثمرة حقيقية تذكر.