مما لاشك فيه أن حجم الاستجابة الإنسانية وتوقيتها يشكل نقطة فارقة في حياة المتضررين من رحى الحروب، وفي سوريا التي تشهد وشهدت حرباً دامية نتج عنه ملايين النازحين والمهجرين قسراً بأوضاع إنسانية صعبة تمركزوا في الشمال السوري في ظل ما يعانيه هذا الشمال من أزمات اقتصادية خانقة تتمثل بقلة فرص العمل وانتشار البطالة والأمية وضعف التعليم ومحدودية السوق التجاري وتأخر الإنتاج الزراعي كنتيجة قلة الجغرافيا القابلة للزراعة وضعف الإمكانيات عند المزارعين، ناهيك عن الإرهاصات التي يعانيها القطاع الصحي كنتيجة لضعف التمويل في ظل انتشار الجائحات المرضية كالكوفيد والكوليرا حديثا، منذ أكثر من عقد من الزمن شكل المدنيون حلقة التضرر الأكبر، حيث قتل مئات الآلاف منهم وشرد وهجر الملايين من مختلف المناطق السورية واستقر الحال بكثير منه بشمال سورية أغلبهم يعيشون في مخيمات تفتقد لأدنى مقومات الحياة في منطقة تعاني من الحصار والحرب منذ سنوات، فباتوا يعتمدون في معيشتهم اعتماداً شبه كلي على المساعدات الإنسانية المقدمة من قبل وكالات الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية المتعاونة معها.
شكل دخول هذه المساعدات الأممية عبر المعابر الحدودية منذ عام 2014 تحسيناً لحياه الناس إلا أن التلويح المستمر بإغلاق المعابر وتحويل المساعدات الإنسانية لورقة ضغط كان نقطة تحول فارقة على الصعيد المدني.
استخدمت روسيا الفيتو من أجل تقليص عدد المعابر الحدودية المستخدمة في إيصال المساعدات الأممية عبر الحدود ليتم حصرها لاحقاً بمعبر باب الهوى الحدودي مع تركيا، ليغدو المعبر الوحيد الذي ترنو له عيون الخيام القابعة على الشريط الحدودي، هذا التقليص لكمية المساعدات المقدمة ضاعف المعاناة وزاد ألم المهجرين بذلك، فأصبح هذا المعبر هو شريان الحياة لإنقاذ حياة السكان في شمال غرب سورية، ومع اقتراب انتهاء المدة المحددة بدأت روسيا تلوح بعرقلة استصدار قرار جديد لتمديد الآلية فكيف سيكون الحال في حال إغلاقه؟
في حال تم ذلك؛ سيقبل الشمال السوري على كارثة إنسانية بكل المقاييس قد تصل حدود المجاعة الحقيقية قد يصبح مشاهدة العوز الطبي وانتشار الأمراض أمرا “روتينيا” في أوساط المدنيين الذين لا يملكون وسيلة لتأمين الغذاء والدواء ومياه الشرب إلا عبر برامج الدعم الإنساني من قبل المنظمات المعتمدة من قبل الأمم المتحدة.
إن توقف المساعدات العابرة للحدود ستؤثر على جميع مجالات العمل الإنساني حيث ستتأثر المشافي والمنشآت الطبية وكذلك برامج المياه والإصحاح بنسبة 80% مما ينفذ في الشمال السوري حيث يعتمد 4.1 مليون على هذا البرنامج وفقدانه يعني حرمان وصول مياه الشرب إلى 1.420 مخيم .
ناهيك عن قطاع التعليم؛ حيث سيحرم مئات الآلاف من الأطفال من الحصول على أدنى حقوقهم بالتعلم، مما سينشئ جيلاً كاملاً يعاني من الجهل وانتشار الأمية المرعبة والعمالة بين صفوف الأطفال البريئة
تفيد التقارير أن 53k + شاحنة دخلت من معبر باب الهوى وباب السلامة منذ 2014 و2.66 مليون مستفيد شهرياً من المساعدات التي تصل لمعبر باب الهوى بشكل شهري وتشمل الطعام والإمدادات الصحية وجميع أنواع السلع المهمة الأخرى.
في الشمال ما يقارب 198 ألف يتيم و46 ألف أرملة و199ألف شخص من ذوي الاحتياجات الخاصة. هؤلاء هم الحلقة الأضعف في هذا التهديد وهم يعيشون في ظروف اقتصادية وصحية ونفسية صعبة.
إن من واجب منظمات المجتمع المدني أن تتكاتف وتحاول إيجاد البدائل المعززة والطارئة فيما وأن تناصر هذه القضية بكل الوسائل الممكنة وتوصل رأيها للرأي العام العالمي والأممي، وتطالب بمنع إغلاق معبر باب الهوى أمام المساعدات الإنسانية، وأن مبادئ حقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني يصون هذا الحق الشرعي لهذه الفئة التي تعتبر من الفئات الأكثر تضرراً من ذلك.